الرحلة ٤٠٤

لكل منا رحلة في الحياة تبدأ من لحظة الميلاد حيث تحكمنا الأقدار فلا نملك منها فكاكا فنحن نولد ولا نختار أشكالنا ولا جينات ورثناها من الأسلاف ولا نعرف كنية أهلنا ولا لماذا أسماءنا ولا ماهية  ديننا   ولا موطن ميلادنا ولا كيف وإلى أين مستقرنا ، وتبدأ الرحلة القدرية التي نكبر فيها ونسير نحو مصائرنا قد يكون لدينا الإختيار لتعديل المسار أو التكييف مع هذه الرحلة وتلك الأقدار وهنا يبدأ الصراع ما بين الخير والشر والنور والظلام ، وفي فيلم رحلة ٤٠٤ لمنى زكي وهاني خليفة مخرجاً ومحمد رجاء مؤلفاً تبدأ رحلة البطلة منى زكى أو "غادة" للتطهر وكشف المستور داخلياً وخارجياً وهي في طريقها لأداء فريضة الحج مع والدها فإذا بالحكاية والحدوتة تمزج بين الماضي والحاضر في ومضات متلاحقة متتالية من الكشف عبر تكنيك الفلاش باك السردي حيث كل مشهد يتكشف لكل من المتلقي و البطلة جزءًا من رحلة التطهر عبر رحلة السفر إلى الماضي والطوق  للسفر إلى المستقبل وكأن الماضي يأبى ألا يترك مساحة للبطلة لأن تتعلق بأهداب الأمل في ميلاد  جديد يطهرها من كل خطايا الماضى الموحل في الخطيئة والرذيلة، و على الرغم من أنها قد تعودت وأدمنت الطريق السهل و الذي دفعها إليه حبيبها السابق محمد ممدوح أو طارق الذي أحبته في الجامعة وسلمته نفسها ولكنه تركها وتزوج صديقتها أبنه التاجر الثري وقد ورثه فصار هو أيضاً رجل أعمال مشهور .. وعندما تصدم سيارة ميكروباص والدة غادة وتدخل المستشفى تستدعى حالتها إجراء عملية مكلفة لاتقدر على تكاليفها نجد  القوادة الشهيرة والتي رافقت غادة رحلة السقوط "شيرين رضا" تعود كأبليس توسوس لها بالعودة من رحلتها الجديدة إلى رحلة الماضي الأسود وتظل "غادة" تبحث عن مخرج من هذا النفق المظلم تتجاذبها الرحلتان رحلة الماضي ورحلة المستقبل حيث تقف في الحاضر حائرة ممزقة مذبذبة بين طرفي الصراع ،تقاوم غوايات الذات وذلات النفس الضعيفة فتسرق ذهب المرأة التي فقدت وعيها أمام شقتها وأنقذتها غادة لكن الخطيئة مازالت حية بداخلها تغلبها وتجذبها نحو السرقة .. وتعود تحاول أن تجد مخرجاً في  عقد صفقة بيع أرض عليها قضايا ومشاكل قانونية حين يغويها بالمال والسمسرة أحد أصدقاء الماضي والذي يعمل في العقارات والأراضى ويقارن بين عمل البغاء وأعمال سماسرة العقارات والأراضي فكلاهما يبيع الوهم والعرض الأولى تضر جسدها ونفسها فقط والثاني يضر الآخرين ويخدع المشترى ويستغل البائع ... وتستمر رحلة التطهر ومقاومة الرجوع وجاذبية التربح السريع سواء بالسرقة أو الدعارة أو السمسرة .. وحين تجد طارق  الاخر محمد فراج زوجها المدمن القاتل لأمه والمريض نفسياً تلجأ لبيع نفسها مرة أخرى للقوادة وترضخ للغواية وهي تحاول  تبرير الخطيئة ... وتنتهي رحلة التطهر بأن تعيد الذهب المسروق للمرأة وترفض أن تسقط للمرة الأخيرة..

الفيلم سريع الإيقاع والسيناريو محبك الأطراف والخيوط واللقطات ،والحوار مكثف معبر عن الشخصيات وعن مستويات الصراع الداخلي والخارجي لكل الشخصيات خاصة غادة وطارق ...نمطية تقديم أدوار القوادة و الأم الشريرة التي لا يحكمها ويحركها إلا شهوة المال في وجود أب ضعيف مستسلم تيمة متكررة ونموذج معاد في أعمال سابقة .. الإخراج مع التصوير حاولا متابعة سرعة إيقاع الرحلة على المستويين الخارجي والنفسي وإن كانت منى زكي بتعبيرات الوجه والصوت والاداء الجسدي المتميز هي من حملت على عاتقها مهمة كشف المستور وتجسيد الصراع وعمق تجربة الرحلة بمستوياتها المتعددة زمنيا وجسديا ونفسيا بحرفية وتمكن فني عالي الجودة ..

الرحلة إلى الله ، إلى النور إلى الخير إلى الإنسانية هي لب العمل وصراع البطلة هو صراع العديد منا والإختيار هو كل ما نملكه في مواجهة الأقدار، فهي قد أختارت أن تغير قدرها وما ضيها وتتعامل مع نواقصها والغواية التي تحكمها في جدلية فنية برع الكاتب في إبرازها وتكوينها وصياغتها من خلال هذا العمل الفني ... شكراً للإنتاج والإخراج للبطلة منى زكي فراج وممدوح وشيرين .. وتظل رحلتنا مستمرة نحو النور.

** عن الوفد..

 

التعليقات