بأي ذنب قُتل؟

«إنهم يغتالون المستقبل».. سأل المحقق المتهم بطعن الطفل الفلسطينى «وديع الفيومى» فى أمريكا ٢٦ طعنة: لمَ فعلت هذا؟ قال (كنت أشاهد التليفزيون طوال الفترة الماضية وقررت أنه يجب ألا يكبر طفل فلسطينى). الإعلام المحرض على فلسطين تسبب فى قتله.. والسياسيون المحرضون أيضاً.. فكيف تحول الأمريكى المسن «جوزيف تشوبا» 71 عاماً من رجل محب إلى قاتل متهم بجريمة كراهية وجرائم أخرى؟.

كان «تشوبا» غاضباً من الأخبار الواردة من إسرائيل، رغم أنه كان فى السابق على علاقة جيدة مع العائلة، حتى إنه قام ببناء منزل صغير فوق الشجرة لأجل «وديع»، وجلب له الألعاب وسمح له بالسباحة فى حمام سباحة المنزل، «لم يكن لدى الأسرة أى سبب للشك فيما سيحدث من مالك العقار، لم يتغير شىء إلا بعد مشاهدة الأخبار وسماع البيانات» (!!).

أثارت أخبار مقتل طفل مسلم يبلغ من العمر 6 سنوات بـ26 طعنة على يد مسن أمريكى جدلاً واسعاً فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اقتحم الرجل المنزل وسدد عدداً من الطعنات للأم والطفل على خلفية الأحداث الدموية فى فلسطين، والدعم الإعلامى والسياسى الأمريكى لإسرائيل، حيث تصور ما يحدث أنه هجمات إرهابية على الإسرائيليين متجاهلين ما يحدث من حصار وقتل للفلسطينيين.

وفقاً للرسائل النصية التى أرسلتها الأم إلى والد الصبى، والتى تمت مشاركتها مع منظمة كير الدولية، أكبر منظمة للحقوق المدنية الإسلامية فى الولايات المتحدة، عندما فتحت المرأة الباب، حاول المالك خنقها، ثم طعنها، وظل يصرخ: «أنتم أيها المسلمون، يجب أن تموتوا»، بحسب صحيفة الجارديان البريطانية.

لم يرَ «تشوبا» آلاف الأطفال فى غزة يقتلون وتشوه جثثهم وتقطع رؤوسهم من سلطات الاحتلال الفلسطينى، لم يرَ القصف الإسرائيلى على مستشفى المعمدانى الذى كان مذبحة وصل عدد الشهداء فيها إلى 800 شهيد، أثناء كتابة المقال، وعشرات المصابين من المدنيين غالبيتهم نساء وأطفال. وهو المستشفى الذى كان يحتمى به آلاف النازحين الذين هجّرهم الاحتلال قسراً من بيوتهم.. لم ير الجندى الإسرائيلى الذى وقف يتبول على جثث الفلسطينيين، ولا رأى القهر والذل أثناء فرار الأسر الفلسطينية فى غزة من الموت بناء على أوامر إسرائيلية!. لم يرَ «تشوبا» إلا حقده الأسود ورغبته الانتقامية وكراهيته لأهالى المنطقة التى تسمى «فلسطين الصغيرة» لأن أغلبيتها أمريكان من أصول فلسطينية.

وسدد الطفل «وديع» فاتورة رعونة حماس ووحشية إسرائيل، وتحول المقاومة المشروعة عن أهدافها لتصبح حرباً مسعورة بين طرفين لا يأبهان بأرواح المدنيين.

الرئيس الأمريكى «جو بايدن» وصف الأمر بأنه «عمل كراهية مروع»، وقال بايدن: «هذا العمل المروع من الكراهية ليس له مكان فى أمريكا، ويتعارض مع قيمنا الأساسية»، مناشداً الأمريكيين «التوحد ورفض الإسلاموفوبيا وكل أشكال التعصب والكراهية».

وبينما كان بايدن يتحدث كانت تتم مراسم تشييع الطفل وديع الفيومى، تجمّع العشرات لأداء صلاة الجنازة فى مسجد بضاحية بردجفيو فى شيكاغو بولاية إلينوى، ووضعوا وروداً بيضاء وصفراء عند قبر «وديع». وفى المنطقة التى تُعرف باسم «فلسطين الصغيرة»، تدلّت الأعلام الفلسطينية من نوافذ السيارات فى الموكب الذى سار باتجاه المسجد.

كما كُتب على لوحة إعلانية رقمية «أوقفوا التحريض على العنف والكراهية ضد المجتمعات الفلسطينية والعربية والمسلمة»، وتحدث والد الطفل راثياً نجله «وديع» فأكد أنه شهيد، وقال: «أتمنى أن يتقبله منى أهل غزة».

يبدو أن الحرب الوحشية الدائرة بين حماس وإسرائيل قابلة لتتوسع، فقد قصفت إسرائيل مطار «دمشق» وتبادلت القصف مع «حزب الله» فى الجنوب اللبنانى.. وأشاعت «مناخ الكراهية» فى أوروبا وأمريكا بإعلام غير منصف يتعمد التعتيم وإخفاء جرائم الكيان الصهيونى فى غزة وإبراز جرائم حماس!.

المجتمعات اليهودية والفلسطينية المسلمة فى الولايات المتحدة تعيش فى حالة توتر وخوف من رد فعل عنيف محتمل ضدهم.

ومنذ اندلاع الحرب، أبلغ مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) عن «حالات مضايقات أو ترهيب أو تخريب أو منشورات على الإنترنت تحمل تعصباً من أشخاص ذوى مناصب مسئولة فى نيويورك وبوسطن وفيلادلفيا وسانت لويس وكليفلاند وتكساس وغيرها من المناطق».

لقد نجحت حماس وإسرائيل فى تحويل الحرب إلى حرب دينية عرقية، الآن يحاكم جوزيف تشوبا (71 عاما)، بتهمة القتل كجريمة من الدرجة الأولى ومحاولة القتل كجريمة من الدرجة الأولى، وتهمتين أخريين بارتكاب جريمة كراهية والضرب بسلاح مميت.. أما القتلة الحقيقيون فيعاملون كالأبطال: أنظر للمستقبل فى خوف!.

المقال / سحر الجعارة 

الوطن

التعليقات