عك قومى!

صباح أمس- الثلاثاء 28/12- فوجئنا بإعلانين كبيرين على الصفحة الأخيرة لأكبر جريدتين فى مصر، قومية ومستقلة، بعنوان «استغاثة إلى فخامة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى ورئيس المجلس الأعلى للاستثمار بشأن التبعات التى نشأت نتيجة تحرير سعر صرف العملات الأجنبية... إلخ». الإعلان يتحدث بشكل واضح لا لبس فيه عن الآثار الكارثية التى ترتبت على قرار تحرير سعر الصرف بسبب تقاعس البنوك عن تغطية كامل الاعتمادات المستندية التى كانت مفتوحة لاستيراد السلع فى حينها قبل التحرير، وكذلك مطالبة البنوك بسداد قيمة المستندات بأسعار اليوم... إلخ، وهو ما سيؤدى إلى (اقرأوا وتأملوا!).. «إفلاس الشركات نتيجة تجاوز خسائرها لأكثر من 100% من رؤوس أموالها، وتوقف استيراد كافة أنواع السلع (غذائية ودوائية وصناعية وزراعية) ونقص حاد فى السلع الاستراتيجية فى الأسواق، ثم البطالة لأكثر من مليونى عامل فى هذه الشركات، وتعرض أصحاب هذه الشركات ومسؤوليها للمساءلة الجنائية لعدم سداد مستحقات البنوك، وأخيرا تعريض الاقتصاد المصرى لهزة شديدة نتيجة كل تلك الآثار... إلخ».

 

من هم أولئك الذين أطلقوا هذه «الاستغاثة»؟ انظروا واقرأوا: إنهم جمعيات مستثمرى «العاشر من رمضان، و6 أكتوبر، والعبور، ومدينة السادات، ومنطقة عتاقة الصناعية بالسويس، وسوهاج، وبنى سويف، وأسيوط، وأسوان». لقد قصدت أن أعيد هنا بعض أجزاء تلك الاستغاثة، وأن أسرد أسماء الذين رفعوا أصواتهم بها لأنهم كيانات اقتصادية كبيرة ومهمة. إن هذا الإعلان يثير تساؤلات على أعلى قدر من الأهمية، تتعلق بكيفية إدارة شؤون هذا البلد، وعلى رأسها الشؤون الاقتصادية. إن معلوماتى هى أن تحرير سعر العملة فى ذاته أمر إيجابى لا شك فيه، وقد اطلعت على ردود فعل أكثر من جهة اقتصادية دولية من خلال صحف أجنبية لها مصداقيتها ترحب بذلك القرار الذى كان هناك اتفاق على أنه جاء متأخرا كثيرا، ولكن الاستنتاج الخطير الذى تطرحه تلك الاستغاثة هو أن اتخاذ قرار تعويم الجنيه لم تسبقه إجراءات تحضيرية كافية للتحسب للآثار قصيرة المدى التى سوف تترتب عليه، والتى كان يفترض أن تكون محل بحث مع الأطراف المعنية، ومن بينها بالقطع جمعيات المستثمرين التى تجأر الآن بالشكوى، والتى كان يمكن مثلا إعطاؤها فترة انتقالية لإعداد نفسها لتبعات القرار، ناهيك بالطبع عن حالة السخط الشديدة التى انتابت المواطنين الذين اكتووا بنيران الأسعار الجديدة!، لذلك، أطرح التساؤل مجددا على من يتخذون القرارات الاقتصادية: هل أعددتم العدة جيدا لتحرير سعر صرف العملات الأجنبية؟... وإذا كنتم قد فعلتم ذلك فما هو معنى ومغزى تلك الاستغاثة الخطيرة؟، اعذرونى إذا قلت لكم إننا إزاء حالة من «العك» القومى تثير الأسف... والفزع!.
التعليقات