جوجل والصوفى!

منذ يومين، ظهر محرك البحث الأشهر على شبكة الإنترنت «جوجل» وعليه بعض الرسوم الفلكية البسيطة، وبالنقر عليها تبين أنها بمناسبة مرور 1113 عاماً على مولد عالم مسلم اسمه عبدالرحمن بن عمر الصوفى. وفى الحقيقة فإننى لم أكن قد سمعت عنه من قبل، وتصورت فى البداية- بسبب لقبه الأخير أى «الرازى»- أنه الاسم الكامل للعالم الشهير أبوبكر الرازى ذى المكانة الرفيعة فى تاريخ الطب والعلوم، ولكن ظهر أنه عالم آخر له إسهامه الكبير فى علم الفلك من إيران، ولد فى عام 903 ميلادية، أى منذ أكثر من ألف ومائة عام. وأثارت تلك الإشارة أكثر من خاطرة لدى، أولها عن محرك «جوجل» بالذات واهتمام القائمين عليه، بين الحين والآخر، بالاحتفال بذكرى شخصيات بارزة وفق الثقافات واللغات التى يستخدم فى إطارها جوجل، وتلك خدمة ثقافية ممتازة، بالإضافة إلى القيمة الحيوية لجوجل اليوم، والذى يجسد فى أنصع صورة ثورة المعلومات الأسطورية التى نعيشها اليوم!...

أعود الآن إلى العالم الذى عرفنا عليه جوجل، أى «عبدالرحمن بن عمر بن سهل الصوفى الرازى»، الذى ولد فى إيران منذ أكثر من ألف ومائة عام، والذى وصفه الباحث الأشهر فى تاريخ العلوم «جورج سارتون» بأنه أعظم الفلكيين المسلمين. فهذا العالم رصد نجوم السماء، وحدد أبعادها، وسجل نجوماً لم يسبقه إليها أحد. وكما جاء فى الموسوعة الحرة، فإنه رسم خريطة للسماء حسب فيها موضع النجوم وأحجامها ودرجة لمعان كل منها، ووضع فهرساً لها صحح فيه أخطاء من سبقوه من الفلكيين. كما ينسب له أنه أول من لاحظ ورصد تغير ألوان الكواكب ودرجة سطوعها، بل وأول من رسم الحركة الصحيحة للكواكب، وكذلك أول من رصد ما سميت بعد ذلك بـ«مجرة أندروميدا»، وسحابة ماجلان الكبرى والصغرى... إلخ، مما رصده فى كتاب باسم «الكواكب الثابتة»، اعتبره سارتون أحد أبرز ثلاثة كتب للعلماء المسلمين. يتبقى بعد ذلك القول إن بعض المصادر تصف «الصوفى» بأنه عالم عربى، وهذا غير صحيح، فهو عالم فارسى (إيرانى)، بالرغم من أن كتاباته باللغة العربية، لأن الفرس تحدثوا العربية- التى هى قريبة من الفارسية- بعد دخول الإسلام. وعلى أى حال فإن تطور العلاقة بين اللغتين العربية والفارسية يعتبر من الفصول المهمة للغاية فى تاريخ تطورهما. إن تاريخ العلوم وتاريخ اللغات حافل ومثير، والمعرفة والاستكشاف فيهما أكثر إثارة وإمتاعاً من قضايا السياسة...

أليس كذلك؟

** نقلا عن المصري اليوم

التعليقات