
30 يونيو.. حكاية ثورة أنقذت مصر "من الفوضى"
تحل اليوم الاثنين، الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو التي مثّلت لحظة فاصلة في تاريخ الدولة المصرية، بعد نجاحها في إعادة صياغة العلاقة بين الشعب ومؤسسات الدولة، ووضع الأساس لبناء دولة مدنية حديثة تستوعب طموحات المواطنين وتستند إلى إرادتهم الحرة.
وما تحقق منذ 30 يونيو عام 2013 في ملفات الأمن والاستقرار، وإعادة رسم الدور المصري في الإقليم، والتنمية الاقتصادية والمشروعات القومية العملاقة، يؤكد أن الثورة لم تكن نهاية، بل بداية لمسار طويل من التحول العميق في بنية الدولة والمجتمع، لا سيما أن الشعب المصري كان، وسيظل، هو صاحب الكلمة العليا في اللحظات المفصلية من تاريخ الوطن.
وإن الحفاظ على مكاسب ثورة 30 يونيو يتطلب تماسكًا وطنيًا واستمرارًا في العمل والإنتاج، والوقوف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتشابكة، خاصة أن هذه الثورة ستظل علامة مضيئة في وجدان كل مصري حر، أراد لوطنه البقاء والنهضة.
وانتقلت مصر من مرحلة تثبيت أركان الدولة، وتعزيز تماسك مؤسساتها واستعادة الاستقرار، إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة والمشروعات القومية العملاقة، الأمر الذي كان يمثل الهدف الأساسي للرئيس السيسي خلال الفترة من 2014/2018، في العمل على الحفاظ على الدولة الوطنية وتثبيت أركانها ومؤسساتها المختلفة بمقوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وترسخ على مدار هذه الفترة أن استعادة مكانة الدولة يتطلب عملًا وجهدًا متواصلين، وأن عملية البناء والتنمية مستمرة، وصولًا إلى مستقبل مشرق، مع التأكيد بأن بناء مصر الجديدة القوية أصبح راسخًا في وجدان الجميع مع الالتزام باحترام حقوق الإنسان، وترسيخ قيم التعايش المشترك والتسامح، وتأكيد التلاحم بين الدولة والمواطنين باعتبارهما أساسًا لبقاء واستمرار الدول.
تأتي ذكرى ثورة 30 يونيو لتحمل معها آمالًا جديدة لكافة المصريين، وطموحات وآفاقًا واسعة للدولة المصرية في تحويل تلك الطموحات والآمال إلى واقع ملموس يشعر به كل المواطنين، ويتأكدون أن الدولة تبذل قصارى جهدها لرفع مستوى معيشتهم.
ماذا حدث في 30 يونيو 2013؟
خرجت الملايين إلى الشوارع في جميع المحافظات المصرية في 30 يونيو 2013، مطالبين بإسقاط حكم الإخوان، وانتشرت الموجة الثورية، وكانت عابرة للطبقات والشرائح الاجتماعية. وأمهلت المؤسسة العسكرية في بيانها يوم 1 يوليو جميع الأطراف 48 ساعة للاستجابة لمطالب المتظاهرين، في إطار حمايتها للشرعية الشعبية، ومع اقتراب هذه المهلة من الانتهاء، واستمرار التظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، ودفع الجماعة بمؤيديها يوم 2 يوليو إلى الشارع، اجتمعت القوات المسلحة بالقوى الوطنية والسياسية والأزهر؛ لتتخذ قرارات 3 يوليو التي أسست لمرحلة جديدة في الثورة المصرية.
وفي 3 يوليو، ألقى الفريق أول عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع (آنذاك)، خطابًا على الهواء محاطًا بالقوى الوطنية، أعلن فيه عن خارطة طريق جديدة تبدأ بتعطيل الدستور، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية بشكل مؤقت، لحين انتخاب رئيس جديد.
تقرر في بيان القوات المسلحة والقوى السياسية، تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا للبلاد، وتعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة توافق وطني قوية، وتشكيل لجنة بها جميع الأطياف لمراجعة التعديلات الدستورية، ومناشدة المحكمة الدستورية العليا إقرار مشروع قانون مجلس النواب، ووضع ميثاق إعلامي يكفل حرية الإعلام ويحقق المصداقية والحياد، والعمل على دمج الشباب، وتشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بالمصداقية وتمثل مختلف التوجهات. وهي القرارات التي لاقت ترحيب المتظاهرين في الشارع، كما أنه بمقتضاها تم عزل محمد مرسي. وقد خرج الشعب مجددًا في 26 يوليو 2013 ليعلن تأييده الكامل لجهود القوات المسلحة ووزارة الداخلية في مكافحة الإرهاب المنظم.
تم وضع خارطة للمستقبل سارت مصر على خطاها، والتزمت بجميع مراحلها، وأقر الشعب المصري دستوره الجديد، وذلك بعد استفتاء شعبي أُجري في يناير 2014، وانتهى بموافقة 98.1% من الناخبين على الدستور الجديد، الذي يُعد إنجازًا كبيرًا في تعزيز الحقوق والحريات، وبه تكون مصر قد أسست لشرعية دستورية وسياسية جديدة.
ثم أُجريت الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2014، والتي تُعد الاستحقاق الثاني لخارطة الطريق بعد الدستور، وتمكن المرشح الرئاسي آنذاك عبدالفتاح السيسي من حسم منصب رئاسة الجمهورية، من خلال حصوله على نسبة 96.9% من الأصوات الصحيحة، مقابل 3.1% للمرشح الرئاسي المنافس.
وأقسم الرئيس السيسي اليمين الدستورية في 8 يونيو 2014، رئيسًا لمصر، أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، وفقًا لأحكام المادة 144 من الدستور الجديد، وبحضور الرئيس المؤقت للبلاد آنذاك المستشار عدلي منصور، في لحظة تاريخية فريدة وفارقة في تاريخ مصر، شهدت تسليمًا سلميًا للسلطة وتوقيع وثيقة تسليم السلطة، في تقليد غير معهود وثّق بداية حقبة تاريخية جديدة.
إنقاذ مصر من الفوضى
أثبتت الأحداث والتطورات في مصر، وفي المنطقة من حولنا والعالم، أن هذه الثورة الشعبية التي ساندتها القوات المسلحة وقيادتها الشجاعة، قد أنقذت مصر من مصير كان شبه محتوم، يشابه ما انتهت إليه الأمور وآلت إليه الأوضاع إلى واقع مأساوي في دول شقيقة فقدت مقومات الدولة الوطنية، وتشردت شعوبها في بقاع الأرض، وانهارت مؤسساتها، وأصبحت بلا حماية، يتخبط أهلها في حروب أهلية وصراعات داخلية وتدخلات خارجية لم تتوقف.
مثّلت ثورة 30 يونيو لحظة الوعي الجمعي الأهم في التاريخ المعاصر، حين تحرك ملايين المصريين، مدفوعين بشعور عميق بالخطر، ورغبة أصيلة في الحفاظ على هوية الدولة المصرية الوطنية والثقافية والدينية.
وكان لتدخل القوات المسلحة بقيادة الرئيس السيسي دور بطولي حاسم في تلبية نداء الشعب، ومنع الانزلاق إلى الفوضى أو التفتت، وهو ما رسّخ واحدة من أقوى صور الاصطفاف بين الشعب وجيشه.
وبعد مرور 12 عامًا عليها، لم تعد ثورة 30 يونيو فقط ضبط بوصلة الوطن، لكنها دشّنت لمرحلة جديدة من البناء والتحديث، وهي "الجمهورية الجديدة"، والتي تقوم على أسس من العدالة الاجتماعية، وتمكين الفئات المهمشة، وتطوير البنية التحتية والمؤسسات، وإعادة بناء الإنسان.