القيثارة واللحن الناقص!

روى لى الموسيقار الكبير كمال الطويل، وكان صديقاً مقرباً لعبقرى آخر عاش فى نفس الحقبة الزمنية، وهو صلاح جاهين، تستطيع أن تقول إن صلاح وجد فى موسيقى الطويل وسيد مكاوى الجانب الكامن فى مشاعره، حروف الكتابة عند جاهين تنتمى أساساً للسلم الموسيقى، أكثر من التصاقها بالأبجدية اللغوية، ولهذا فإنهما على خريطته الغنائية لهما النصيب الأكبر بين كل الملحنين، حتى بليغ حمدى الذى كان وجاهين طفلين يحبوان على نفس (الدرابزين) فى بيت بحى شبرا، ورغم ذلك فإن اللقاء الفنى بينهما كان شحيحاً لم يتجاوز أغنية أو اثنتين، تفسير جاهين أنه ربما وهو طفل سمين الجسم لم يجد صعوبة فى توجيه ضربات أوجعت بليغ الأقل حجماً، ولهذا فإنه منذ ذلك التاريخ (شايل منه)، هى قطعاً طُرفة، تحليلى للتلاقى الروحى بين عبقريتين فى نفس الزمن، أنهما ليسا بالضرورة هما الأفضل، ولكن اللقاء يعنى التفاعل بين هذين المبدعين، وهكذا حلق جاهين فى سماء النغم مع مكاوى والطويل، بالطبع ليس هذا هو موضوعنا، إنها مجرد بداية (تسخين) أنعش بها ذاكرتى وذاكرتكم، لأروى لكم ما الذى كان يفعله صلاح جاهين فى جريدة (الأهرام) عندما كان يستشعر احتمال رفض نشر (الكاريكاتير) بسبب التعليق السياسى، وكما روى لى كمال الطويل، كان صلاح يكتب تعليقا اجتماعيا آخر يصلح أيضا للنشر على نفس الصورة، وعندما يطالبونه بالتغيير يرسله فورا، وتنتهى المشكلة، هذا هو ما ينبغى أن يتحلى به كل من امتهن التعبير بالكلمة أو الصورة، وهو أن يمشى بحرفنة على الحبل، ألا يتنازل عن أفكاره، وفى نفس الوقت لا يتوقف عن الإبداع.

بعض الأصدقاء كثيراً ما يصطدمون باللجان التى ترفض أو تطالب على الأقل بالتغيير، الرقابة على المصنفات الفنية، وهى الجهة الحاكمة، وفى نفس الوقت محكومة بالكثير من المحاذير والمحظورات، صارت الرقابة محاطة بالعديد من الأجهزة التى تتدخل فى فرض شىء أو رفض شىء. كان الكاتب الكبير كامل الشناوى له فى (الأهرام) باب أطلق عليه فى البداية (خواطر حرة) ينطلق كما يحلو له، إلا أنه أثناء الحرب العالمية الثانية استشعر أنه بسبب التدخل الرقابى الدائم يخدع القارئ فأصبح العنوان (خواطر شبه حرة) واستمر يكتب شبه كتابة ويشاغب شبه مشاغبة تحت سقف المسموح.

فى توقيت ما ينظر أحيانا للمبدع بعين الريبة، حتى لو لم يقصد توجيه انتقاد، فإن هناك من ينفخ فى الزبادى، ليس لدينا فى الأجهزة مع الأسف عقول قادرة على توفير حماية من شطط تحليل بعض العيون وانغلاق بعض العقول، هؤلاء يذكروننى بهذا الرقيب الذى همس عام 59 فى أذن نجيب محفوظ، وكان وقتها يشغل كرسى مدير الرقابة على المصنفات الفنية، حيث أشار الرقيب الهمام إلى قنبلة موقوتة فى أغنية (يا مصطفى يا مصطفى) بسبب مقطع (سبع سنين فى العطارين/ وإنت حبيبى يا مصطفى) قال له إن المقصود هو التباكى على زمن حُكم الوفد ومصطفى باشا النحاس، الذى كان وقتها على قيد الحياة ويتمتع بشعبية طاغية، لأن الثورة المصرية فى 52، مر عليها فعليا 7 سنوات، طبعا ضحك محفوظ من هذا التفسير (الحلمنتيشى)، وقال له ساخرا يعنى لو وافقنا على الأغنية العام القادم يبقى تمام.

لا تسمح لأحد بتحطيم قيثارتك، اعزف ولو جزءاً من لحنك، ستكتشف أن الناس تُكمل الجملة الموسيقية، هم يريدونك أن تقول يائساً (مش لاعب) فلا تمنحها لهم!.

 

التعليقات