السودانيون والأقباط والصعايدة والقضاة.. ممنوع الاقتراب أو التصوير!

دعوات مقاطعة وشجب وتهديد ولجان تجتمع ونقابات تتوعد بإظهار العين الحمراء للجميع، ما الذى يتبقى بعد ذلك لكى نقرأ جميعا الفاتحة على روح المأسوف عليه فى بلادنا الفن والإبداع؟!.

يبدو أن ضباط وجنود الشرطة هم الراضون والسعداء فقط عن حال الدراما، أكثر من عمل يقدم ضابط شرطة مثل (نسر الصعيد) و(كلبش 2) محققا أعلى درجات المتابعة، حيث إن كل شىء يتم بموافقة الأجهزة المعنية فى الداخلية، ومن البديهى والحال كذلك أن تتعدد المنصات الرقابية والكل يرى أنه الأهم والأجدر بالمتابعة واتخاذ الرأى فى أمر العرض أو المصادرة.

«لا أحد فوق مستوى النقد».. عبارة كثيرا ما استخدمناها وتلاعبنا بها، كل على هواه، حتى الصحفيون قطاع لا بأس به منهم صار متنمرا تجاه أى نقد، يريدون إذا قدمت صحفيا فى عمل فنى أن يحظى أولا بموافقة من بلاط صاحبة الجلالة، على أساس أننا جميعا ملائكة تبحث عن أجنحة. فى كل عام ينشط عدد من أصحاب الفئات، خاصة نقابة المحامين التى يرى أصحابها أن أى مشهد يتناول بالسلب صورة المحامى يستحق منهم شرشحة صُناع المسلسل قضائيا، إضفاء ملامح القدسية على كل فئات المجتمع صار ظاهرة عامة، القضاة وقبلهم الأطباء، وكل الفئات تقريبا لا تطيق الدراما، حتى تقديم شخصية نصاب يرتدى زى كاهن مسيحى لم يتحملها بعض الأقباط، لقد تضاءل هامش روح الدعابة الذى كان جزءا من تكوين المصريين، لديكم مثلا برنامج (رامز جلال) ليس جديدا بالطبع انتقاده، فهو يحظى كل عام بأكبر قسط من الهجوم، وفى نفس الوقت تكتشف أنه الأعلى فى كثافة المشاهدة وفى القدرة على الجذب الإعلانى، ويصل الأمر للمصادرة لأنه مثلا استخدم كلمة (مُزة) لوصف ياسمين صبرى، رغم أن هذه الكلمة يتم التعامل معها ببساطة فى الشارع، وما هو إذن التوصيف الملائم لياسمين صبرى غير أنها مُزة؟!!.

روح الدعابة واحدة من عوامل ومظاهر القوة فى المجتمع، فلماذا نفتقد واحدا من أسلحتنا الناعمة فى مواجهة غلظة الحياة؟

هل الشاشة تصلح لكى تُصبح وسيلة للبراءة أو الإدانة؟ المهنة الشريفة هى التى تحصل على شهادة براءة درامية، وإذا أدنت موظفا وكأنك أدنت أهل المهنة جميعا.

الدولة مع الأسف لعبت دورا سلبيا عندما سمحت بتعدد الأجهزة الرقابية والعقابية، وفى نفس الوقت كثيرا ما لوحت بالعصا الغليظة التى يشهرها عدد من أعضائها كلما أتيحت لهم الفرصة، وكأنهم فرع درامى لجماعة (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر).

أشعر بأن هناك من يصدر للدولة هذا المفهوم المغلوط، شاشة نظيفة تساوى شارعا نظيفا ومستشفى منضبطا ومدرسة نموذجية، هذا هو سر إنشاء المجلس الأعلى للإعلام الذى انبثق منه العديد من اللجان وآخرها لجنة الدراما، والتى لاتزال وستظل تبحث عن دور، هم يشعرون بالخجل من صفة الرقيب ولهذا يسارعون بنفيها، ثم بعد ذلك تكتشف أنهم يمارسونها فى الصباح، وبعد انتهاء مواعيد العمل الرسمية يلعبون دور شيخ الحارة الملم بأصول المهنة، ويؤكدون أن لديهم نصائح استرشادية للجيل الجديد من أجل دراما أفضل، وتتعجب مَن الذى عليه أن يسترشد بمَن، هل من لفظتهم ملاعب الدراما خارج الخط لايزالون يملكون شيئا، أليس عليهم أولا أن يوفروا النصيحة الاسترشادية لأنفسهم؟!.

مع الأسف هم لا يعترفون بأن لدينا جيلا جديدا استطاع أن يستوعب المفردات العصرية، ليصبحوا فى الصدارة مثل المخرجين محمد ياسين وكاملة أبوذكرى وهالة خليل وتامر محسن ومحمد شاكر خضير وهانى خليفة وحسين المنباوى وأحمد خالد موسى وحسام على وبيتر ميمى وخالد مرعى، هؤلاء وغيرهم لديهم ما يقدمونه، ولا يمكن التشكيك أبدا بأنهم يملكون حسا اجتماعيا ووطنيا يحركهم فى اختياراتهم الدرامية. الشاشة المعقمة الزائفة التى تريدها الدولة لتجميل الحياة هى حبل المشنقة الذى يغتال الحياة!!.

(المصري اليوم)

التعليقات