حمار على المعاش

ثلاثة من الحمير تم تكريمهم مؤخرا فى إحدى القرى التركية، كانوا يتولون المساهمة فى أعمال جمع القمامة هناك، يدخلون فى بعض الحوارى الضيقة التى تعجز العربات المؤهلة عن اختراقها، وفجأة لعب الزمن دوره، ووهن الجسد، وصار الحمار غير قادر على الحركة فتم تكريمه، لم يفكروا مثلا فى إطلاق رصاصة الرحمة عليه، أو ذبحه ليصبح وجبة شهية للأسد، عندما تظهر علامات الكبر على الحمار يتضاءل صوت نهيقه، ومع الأسف يتلقى ضربات مبرحة على ظهره ومؤخرته، ناهيك عن سيل الشتائم التى تنال منه ومن أبيه، فما الذى من الممكن أن تقوله سوى أنه حمار ابن حمار، وهو قطعا يعتز بأنه ابن حمار فهذه دلالة على أنه ابن حلال، ولم تفكر أمه فى تغيير السلالة ومصاحبة حصان وإلا أصبح النتاج فى هذه الحالة بغلا. الحمار المسكين الذى يتحمل راضيا مرضيا كل صنوف الضرب المبرح، بينما تكتشف أن الشقيق الأكبر للحمار وهو الحصان يعامل بقدر أكبر من الاحترام، صحيح أن كليهما لا يخلو من أن يتذوق بين الحين والآخر لسوعة الكرباج، ولكن يظل الحصان فى الثقافة العالمية له مكانة مرموقة، يكفى أنه (ترمومتر) قياس القوة فى كل المحركات، بينما الحمار هو (ترمومتر) قياس التدنى فى العقول، رغم أنه قد ثبت علميا أنه ليس أبدا الأغبى بين الحيوانات.

الحمار الذى تنال منه السنون، أول ما نفكر فيه هو ذبحه علنا وعلى رؤوس الأشهاد، وكثير من محال الكباب والكفتة تقتات على لحوم الحمير، لا تصدق أكذوبة أن هناك من يربى الحمار من أجل أن يذبحه ويبيع لحمه، هم يذبحونه فى حالة الضرورة فقط، ثمن الحمار أغلى من البقر وجلده يعد ثروة تدر أرباحا طائلة، كما أن الجبن المصنوع من لبن(الأتن) أنثى الحمار هى أغلى أنواع الجبن فى العالم، لا أدرى من الناحية الشرعية هل استخدام اللبن حلال؟ مع ملاحظة أن عددا من الدول الإسلامية تُبيحه.

الحمير الثلاثة التى وصلت لسن المعاش، حرصوا على أن تُقدم لها أشهى أنواع العلف، وأن يعزفوا لها موسيقى موزارت.

ومن الواضح أن موزارت سره باتع، الأبقار أيضا لديهم علاقة خاصة مع موسيقى موزارت، قرأت أن حصيلة الألبان تزيد فى الأبقار بنسبة كبيرة عندما تستمع لموسيقاه، المزاج النفسى يلعب دورا حيويا مع كل الكائنات الحية، قال يوما عادل إمام إن الرجال بعد أن يشاهدوا مسرحياته ويعودوا إلى منازلهم يوجهون له الشكر على حسن قيامهم بواجباتهم الزوجية.

دعونا الآن نعاود الحوار حول تكريم الحمار، هل يشعر الحمار بالسعادة من التكريم؟ ربما لا يعرف أنه يكرم فى هذه اللحظة، ولكن الحيوانات قطعا تستجيب للدفء سواء جاءها من إنسان أو حيوان.

أتمنى أن نُفكر أيضا فى الإنسان، كثير ما أتلقى تليفونات من عدد من الفنانين يسألون متى يحل موعد تكريمهم؟ وعدد منهم فعلا يستحق، والمهرجانات تتجاهلهم، ربما كان الفنانون أسعد حظا فى التكريم من أصحاب مهن أخرى قلما نُفكر فى تكريمهم.

أين مثلا أساتذتنا الكبار فى الصحافة، لماذا زامر الحى لا يطرب؟ لن أذكر أسماء حتى لا أنسى أحدا ولكننا فعلا مقصرون.

أخشى أن نقول إن علينا أن نتعلم الدرس من تكريم الحمير الثلاثة فى تركيا حتى لا يسىء أحد الفهم، ولكنى مع الأسف مضطر أن أقولها!!.

التعليقات