هل يحتمل العالم المزيد من التخبط الأمريكي؟

أمام المبادرات الجادة التى تطرحها الدول العربية -وعلى رأسها مصر- ما زالت الولايات المتحدة مغرمة بإعطاء الدروس والمواعظ! تمارس صيغ التدخل ومحاولات ممارسة الضغوط على دول المنطقة عبر خطاب إنشائى لا يرقى إلى دور وسيط جاد يطرح جذور القضية بكل تاريخها وأبعادها.

أمريكا ترفض الإفاقة من وهم «القوة الأكبر» رغم اتفاق جميع التحليلات السياسية على مرورها بأصعب التحديات التى أفقدتها الكثير من أدوات ممارسة النفوذ أو الانفراد بالتحكم فى متغيرات المشهد الدولى.

داخلياً، تعانى الولايات المتحدة حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والتناحر بين حزبيها الجمهورى والديمقراطى، بل إن الخلافات امتدت داخل الحزب الواحد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر 2024.

تبدو فرص الرئيس الحالى «بايدن» محدودة نتيجة ما أثير حول كفاءته الصحية والذهنية والسقطات التى صدرت عنه أمام الإعلام.

على الصعيد الخارجى، سمة التخبط التى تدار بها السياسة الأمريكية أفقدتها الكثير من مظاهر التأثير، مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى، مثل روسيا والصين.

أخطأ «بايدن» فى حسابات الصراع الروسى - الأوكرانى وإرهاق دافعى الضرائب بتحمل المبالغ المهولة التى دُفعت دعماً لأوكرانيا ومؤخراً إسرائيل، فالمؤكد أنها ستُستغل كأحد الأسلحة السياسية فى الانتخابات القادمة تحديداً مع تزايد حدة نبرة الانتقاد من قبل الرأى العام الداخلى عبرت عنه مظاهرات كبيرة فى مختلف ولايات أمريكا.

على جانب آخر، نهج التصعيد الأمريكى لم يمنع قوى مؤثرة، مثل الصين والهند ودول المنطقة العربية من التمسك بموقف يحكمه توازن علاقاتها الدولية مع طرفى الأزمة.

التخبط ساد الأربعة أعوام الماضية فى إدارة الملف الأمريكى - الإيرانى.

إذ تضاءلت قوة الدبلوماسية الأمريكية فيما أعلنته عن اتفاق ملزم يقلص الدور الإيرانى -تحديداً النووى- داخل إطار محدد واكتفت سياسات أمريكا بأهداف متواضعة كالتغاضى وضبط النفس. الأكثر إثارة للدهشة ما يتعلق بالملف الذى شغل المشهد السياسى الأمريكى والإسرائيلى طوال الأشهر الماضية واعتبره «بايدن» مفتاح النصر الذى سيخوض به الانتخابات، محققاً التوصل إلى اتفاقية تطبيع بين السعودية وإسرائيل.

الملف استغرق جولات سياسية مكوكية اصطدمت بثبات الرؤية السعودية المتسقة مع الموقف العربى وتشترط إقامة دولة فلسطينية.

مع اندلاع عملية «طوفان الأقصى» أحرق «بايدن» ورقته الانتخابية التى كان يراهن عليها واستبعد فرص تحقيق أى خطوة فى هذا الملف بعد تعليق مباحثات التطبيع بين السعودية وإسرائيل، بل إنه تورط فى ترديد أكاذيب مفضوحة أمام الإعلام، بالإضافة إلى المواقف الرسمية الأمريكية منذ بدء «طوفان الأقصى» والتى تحلق بعيداً عن واقع أزمة الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى.

قد تبدو زيارة وزير الدفاع الأمريكى مفهومة فى إطار دعم لوجيستى وعسكرى ارتبطت به أمريكا مع إسرائيل، لكن ما يشوبه الالتباس جولة وزير خارجية الأمريكى بلينكن إلى المنطقة.

إذ لم تستخلص من الطرف الإسرائيلى الموافقة حتى على هدنة إنسانية تسمح بدخول المساعدات إلى غزة حتى حسمت مصر الأمر عبر مساراتها الدبلوماسية الرصينة وبدأ تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، الأدهى إصدار الخارجية تعليمات صارمة للبعثات الدبلوماسية فى الشرق الأوسط بعدم ذكر تعبيرات، مثل «التصعيد، وقف إطلاق النار، انتهاء العنف واستعادة الهدوء».

فى المقابل لم تحقق لقاءات «بلينكن» مع قادة الدول العربية أى تقارب بين تطرف الموقف الأمريكى وتمسك الموقف العربى بحلول جذرية تكفل إنهاء دائرة العنف وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية، ووضع حد للسياسة الانتقامية التى تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى، والرفض القاطع للمخطط الإسرائيلى بممارسة التهجير القسرى للفلسطينيين إلى أراضٍ بديلة عن وطنهم.

لعل أبرز ملاحظة على لقاء القادة العرب مع «بلينكن» المساحة الشاسعة بين كلا الخطابين.. إذ اتسمت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى على الهواء مباشرة بنقاط محددة حول جذور أزمة الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، بالإضافة إلى حلول فورية لإنهاء الوضع الكارثى فى غزة.

بينما اعتمدت تصريحات «بلينكن» على صيغ إنشائية أبعد ما تعبر عن جدية طرف أساسى فى وضع حلول حاسمة لدائرة العنف المتواصل، بل تعمل على زيادة التصعيد عبر تنصلها عن إثناء إسرائيل عن مخطط الغزو البرى لقطاع غزة وإغراقها فى حرب طويلة الأمد لا تملك قدرة خوضها.

كما سيقوض أهم مصالح السياسة الأمريكية الخارجية فى احتواء أزمة الصين، بالإضافة إلى خلق جبهة عربية موحدة ضد أمريكا.

المقال / لينا مظلوم

الوطن

التعليقات