حين قتلوا الحمام رمز السلام

لأن الرياضة جزء من هذا العالم بكل مزاياه وعيوبه وحروبه وخطاياه.. تبقى لها هى أيضا جرائمها وغرائبها وتناقضاتها.. وأحد أقدم وأغرب وأكبر هذه التناقضات كان ما جرى فى دورة باريس الأوليمبية التى أقيمت من مايو إلى أكتوبر 1900.. ففى هذه الدورة تقرر إضافة صيد الحمام كلعبة أوليمبية.. وأقيمت المسابقة فى بولونيا وتم إطلاق 300 حمامة ليفوز بالذهب من يقتل أكبر عدد من الحمام.. وكان صاحب الذهب هو البلجيكى ليون دى لوندين الذى قتل 21 حمامة.. وما إن انتهت المسابقة حتى كانت الدماء فى كل مكان واختلطت بالحمام المقتول الذى تطاير منه الريش فى مشهد تم وصفه وقتها بأنه الأكثر قبحا والأكثر قسوة فى التاريخ الأوليمبى.. وكان من الطبيعى ألا تقام هذه المسابقة مرة أخرى فى أى دورة أوليمبية بل قامت اللجنة أيضا بحذف المسابقة ونتائجها من الأرشيف الأوليمبى.. ولم يكن السؤال المهم هو: لماذا توقف صيد الحمام كلعبة أوليمبية إنما هو من الذى قرر أصلا أن يكون لعبة أوليمبية.. فالحمام منذ بداية التاريخ كان رمزا دينيا وإنسانيا للسلام.. هو الذى أرشد سيدنا نوح بعد الطوفان لأقرب أرض للسفينة.. وهو الذى ضلل قادة قريش حين وقفوا أمام غار ثور يبحثون عن الرسول المهاجر إلى المدينة.. وفى التراث الفرعونى هم الذين قاموا بحماية حورس..
وتوالت حكايات الحمام والسلام فى مختلف الحضارات من الصين إلى أمريكا اللاتينية.. وحتى الآن لايزال ممنوعا صيد الحمام فى مناطق كثيرة فى العالم سواء دينية أو سياحية، ورغم أن المصريين أصبحوا من الشعوب الاستثنائية التى لاتزال تأكل الحمام محشيا ومشويا إلا أنهم رغم ذلك لايزالون فى قرارة أنفسهم وفى أدبهم وأشعارهم وأغانيهم يعترفون بالحمام رمزا للسلام.. وحين بدأت الدورات الأوليمبية فى العصر القديم فى 776 قبل الميلاد.. كان أول قوانينها هو أن يسود السلام فى فترة كل دورة، فلا حروب وصراعات لأى سبب وبأى شكل.. وحين أعاد الفرنسى البارون دى كوبرتان هذه الدورات فى العصر الحديث فى 1896.. كان نفس الحرص على السلام والحمام وأغصان الزيتون.. لكن من الواضح أن البارون لم يكن مقتنعا بحكاية الحمام والسلام.. ففى الكتب عن حياته نجد أنه كان أحد أبطال صيد الحمام فى بولونيا، وكان أحد الأعضاء المؤسسين لهذه اللعبة فى فرنسا.. وهو ما يعنى أنه كرئيس للجنة الأوليمبية الدولية منذ 1896 هو الذى أدخل اللعبة التى يحبها ويفوز فيها لتصبح لعبة أوليمبية.. وقد حاول دى كوبرتان كثيرا بعد ذلك إخفاء تاريخه مع الحمام لكنه لم ينجح فى ذلك.
التعليقات