لزم التنويه

قبل سنوات قليلة، كتبت فى هذه المساحة متسائلة: أين ذهب متظاهرو «الشرعية»؟، قاصدة طلاب وطالبات الإخوان، الذين كانوا يحتشدون أمام مبانى جامعة الأزهر فى مدينة نصر فى عامى 2013 و2014. واليوم، أجد الداعى إلى إعادة نشر بعض الأسطر والأفكار والتساؤلات. كتبت أن «هؤلاء الطلاب والطالبات الذين كانوا يدخلون فى مواجهات دامية مع رجال الأمن بدافع أيديولوجيات وقناعات وأفكار تربوا عليها وتجذرت فى قلوبهم وعقولهم طيلة سنوات دراستهم، أين هم الآن؟. جانب كبير من هؤلاء لم يكونوا كلهم مدفوعين بالعمالة أو تقاضى الأموال، فهذا أهون، ويمكن علاجه، بل كانوا مدفوعين بقناعات يحملها الأهل على الأغلب، وسيورثونها لصغارهم دون شك. هؤلاء الذين شربوا جانبًا معتبرًا من قناعاتهم تلك فى رحاب قاعات الدرس التى ترددوا عليها، أين هم الآن؟، وأين يعملون؟.
 
منهم مَن يعمل بالتدريس دون شك، ومنهم مَن التحق للعمل ببنك وشركة ومؤسسة ومستشفى، فهل خلعوا معتقداتهم وأفكارهم على باب أعمالهم؟، وهل امتنعوا عن توريث فكرهم لصغارهم ومَن حولهم؟». أسئلة طرحتها، ولم يرد علىَّ أحد حينها. وأكرر كما كررت وقتها، فهذه ليست دعوة بكل تأكيد إلى ملاحقات أمنية، لكنها دعوة إلى التفكير والتدبير. لماذا؟. لأن الأفكار لا تموت، لكنها تُعالج وتستقيم، أو تُترك على حالها، فتستمر فى نشر المرض ونثر أعراضه وتوريثه لمَن حولها.
 
ولأننا لسنا فى زمن معجزات، بل فى زمن إعمال العقل وتحكيم المنطق والبحث العلمى، فإنه من غير الوارد أن يكون هؤلاء الطلاب والطالبات قد أصبحوا مواطنين أسوياء فكريًّا لا يخلطون فكر الإخوان ومنهج السلفيين بعملهم ومحيطهم. قد يكونون كامنين، لا يصدرون ضجيجًا، لكنهم بكل تأكيد فى حراك يومى مستمر.
 
وأُعيد فتح الموضوع، اليوم، لأن بيننا مَن ضاق ذرعًا بحديث الإخوان. طغت الأوضاع الاقتصادية الصعبة على مخاوف الإخوان، وظن كثيرون أنهم «خلاص زهقوا»، أى فقدوا الأمل فى الوصول إلى الحكم وتحويلها إلى دولة دينية صرفة. والحقيقة أنه لا يمكن اللوم على المواطن العادى. ليس من اللائق أن أطلب منه أن يُستنفَر أيديولوجيًّا، بينما هو مُستنفَر اقتصاديًّا.
 
ولكن هؤلاء الذين تساءلت عنهم قبل سنوات موجودون حولنا ومعنا. هؤلاء- بحكم طبيعة فكر الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى- لا يستسلمون، فقط يخلدون لبيات شتوى أو صيفى حتى تصبح الأجواء مناسبة ليطلوا برؤوسهم وأفكارهم وغاياتهم من جديد. والحلول لا يمكن أن تكون أمنية، والمواجهات لا ينبغى إلا أن تكون فكرية وتوعوية وتعليمية وأخلاقية، والتى سبق أن لخصها الرئيس السيسى غير مرة على مدار سنوات بمطالبته بتنقيح أو تطهير أو تجديد أو تحديث الخطاب الدينى. أخشى أن يعاود هؤلاء الخروج من فترة بياتهم و«ركوب» الموجة. وأخشى كذلك من فئة أخرى، يُفترض أنها تقف على طرف نقيض من جماعات الإسلام السياسى بحكم أيديولوجياتها وتوجهاتها المدنية، بل الثورية فى بعض الأحيان، لكنها للعجب العجاب تهرع للاتجاه المعاكس فى كل مرة، لذا لزم التنويه.
 
المقال / أمينة خيري
التعليقات