المدمن بين النفور والإشفاق

دائمًا ما أشعر بالإشفاق على الإنسان الذي يقع ضحية الإدمان، أغلبنا تسيطر عليه مشاعر النفورعندما يصل إلى علمه أن فلانًا قد وقع في تلك الدائرة الجهنمية، إلا أننى أراه مريضًا يستحق الرعاية والعلاج، أقول ذلك بعد أن قرأت عن هذا الفنان الشاب الموهوب الذي تم إلقاء القبض عليه ومعه جرعة من المواد المخدرة.
 
 
الإدمان هو قاتل المواهب، هل تتذكرون ماكولاى كولكين، هذا الطفل الجميل الذي شاهدناه في التسعينيات بطلًا لسلسلة أفلام (وحدى في المنزل)، إلا أنه بعد أن وصل إلى الأربعين أصبح يحمل وجهًا متهالكًا لرجل عجوز قضت عليه السنوات!!.
 
«ماكولاى» نموذج لنجاح طفل امتلك في لحظة كل شىء، الشهرة والفلوس والحضور والتألق، ثم الخفوت التام بعد ذلك، وكأن الله قرر أن يمنحه في سنوات قليلة كل شىء، ثم يحرمه بعد ذلك من كل شىء!!. المأزق هو كيف تتعامل مع الواقع؟، كانت لـ«ماكولاى» محاولات سينمائية، بعد تخطيه مرحلة المراهقة، إلا أنها لم تسفر عن أي نجاح، وربما لهذا السبب كان عرضة أكثر لكى يقع فريسة الإدمان.
 
 
نتذكر نجمًا كان واعدًا، حاتم ذوالفقار، انتهت حياته في الظل، دخل السجن أكثر من مرة، وكانت فضائحه دائمًا تسبق اسمه، كان «حاتم» واحدًا من أربعة أو خمسة فنانين اجتمعوا تحت راية دائرة الإدمان، كان هو صاحب الحظ الأسوأ، أكثر من مرة بعد أن يُلقى القبض عليه متلبسًا بحيازة الهيروين يقول: (اشمعنى فلان حر طليق؟!)، لم تكن العدالة مطلبه، فقط كان يريد أن يلحقه نجم آخر، ظل بعيدًا عن الملاحقة الأمنية حتى رحيله!!.
 
الإدمان لعنة مُعرَّض لها البشر جميعًا، الفنان تزداد أكثر احتمالات وقوعه في براثنه. هل تتذكرون عماد عبدالحليم؟. عرف عماد النجاح مبكرًا، بعد أن دفع به عبدالحليم حافظ، ومنحه اسمه. مَن عاصروا تلك السنوات يدركون أن عبدالحليم لم يكن شغوفًا بأن يقدم للساحة مطربًا جديدًا، ولكن ما حدث في مطلع السبعينيات ظهر هانى شاكر، وفوجئ عبدالحليم بأن الشارع يردد له عددًا من أغانيه، وأشهرها (كده برضه يا قمر)، التي كتبها صلاح فايز، ولحنها خالد الأمير. نجاح عبدالحليم لا يضاهيه مطرب آخر، إلا أنه كانت لديه هذه الهواجس أن يأتى مطرب شاب ينازعه القمة، ونصحه الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس قائلًا: (العيل ينافس العيل)، ولهذا تبنى عماد لتصبح المعركة بين عماد وهانى، وليست هانى وعبدالحليم.
 
ورحل عبدالحليم، وواصل عماد لأنه صاحب موهبة حقيقية، إلا أنه دخل سريعًا الدائرة الملعونة، ولم يُحِطْ هذه الموهبة بسياج يحميها، وبدأت الأضواء تنسحب عنه، وامتزج الإدمان بعلاقة نسائية براقصة كادت تودى به إلى السجن، عندما أرادت الانتقام منه بإلقاء القبض عليه وهو يتعاطى في شقة مطرب اشتهر بالغناء الدينى، الذي قبض عليه متلبسًا كان هو مطرب الغناء الدينى، وخرج من السجن بعد قضاء مدة العقوبة، وقد تخلص تمامًا من الإدمان، بينما عماد كان قد تورط أكثر داخل منطقة الخطر، لينتهى الأمر كعادة المدمنين، بالعثور على جثته ملقاة على الرصيف، ومعه سرنجة وليمونة.
 
كيف تعرف ملامح الفنان المدمن؟. لن تشاهده قطعًا أثناء التعاطى، ولكن على الشاشة تراه وقد ماتت نظرة عينيه، أعرف نجمًا كان يقبل أي دور يُعرض عليه لأنه يحتاج إلى سيولة مادية تتيح له شراء الجرعة بانتظام، لو دققت النظر في عينيه لوجدتها فقدت الحياة. عيناه تريان نعم، ولكنه يبدو على الشاشة وكأنه يطل علينا من عالم آخر. بطارية الإبداع تتأثر سلبًا بالإدمان، وتشعر أن النجم قد أفرغ هذه الشحنة بعيدًا عن الكاميرا. ماكولاى كولكين لم يستطع التعايش مع الواقع، شاهدت صورته في «النت»، فوجدت نفسى أقلب معكم بعض صفحات إدمان الفنانين التي لا تنتهى، وليس آخرها هذا الفنان الشاب الذي يستحق إشفاقنا وليس لعناتنا.
 
المقال / طارق الشناوي
المصري اليوم
التعليقات