إعادة تدوير الذاكرة

إذا كنت من أتباع مذهب التجديد والتطوير فى حياتك فاعلم أنك تتبع خطوط سير الأدباء والشعراء والفنانين، فكل هؤلاء يعيشون ويتنفسون التجديد وإعادة تدوير المشاعر والأحلام والأمنيات والذكريات، ومن خلف هذا المذهب تولد الأفكار والقصائد والقصص والألحان.

ويتلخص ذلك الأسلوب فى الاحتفاظ بكل ما يحرك القلوب ويدفع بالدماء إلى الوجوه خجلاً وربما سعادة وانفعالاً لرؤية الأحبة، كما يدفع بالدموع أحياناً لتنهمر دون إنذار أو تمهيد، ويترجم جميع المشاهد التى تمر أمام صاحبها إلى معانى ولمسات إلهام تدغدغ أفكاره وتلتصق بقلبه ولا تغادره مهما مر من زمن فهى الزاد والزواد لحياته.

ولهذا نجد أن المحبين لا يمكنهم إلغاء سطور أو كلمات أو أسماء أو مشاهد أو حتى لحظات أو نظرات أو أسماء من قاموسهم الخاص، فهم يقومون بعملية تحديث وتطوير لذاكرتهم بطريقة دورية تساعدهم على الاحتفاظ بكل ما لديهم من معانٍ.

إلا أن هذا الصندوق السحرى العميق الذى تتراكم داخله التجارب والأيام والأمنيات حير العلماء وأطباء علم النفس والمخ والأعصاب بحثاً عن السر وأسلوب إعادة تدوير الأفكار والمشاعر.

وفى التليفزيون الألمانى عُرض منذ فترة برنامج استمر عدة أسابيع على ثلاث مراحل، وهو عبارة عن مسابقة للحصول على لقب بطل العالم فى قوة الذاكرة شارك فيه الشاب (يوهانس مالوف)، واستطاع الحصول على اللقب بعد ثلاث جولات حتى إنه يستطيع حفظ ١٣٢ تاريخاً خلال خمس دقائق فقط، وحصد حتى الآن ٢٠ كأساً فى مسابقات مختلفة.

وعن قصة نجاحه قال إنه اطلع على صفحة على الإنترنت تسمى (ميمورى إكس إل)، والتى تهتم بتقنيات تقوية الذاكرة، وتعرض مدرب إلكترونى يساعد على قوة الذاكرة، ومن تلك التدريبات وصل إلى نتيجة ساعدته كثيراً فى الحصول على لقب بطل العالم فى قوة الذاكرة وهو فى عمر الـ٣٢ عاماً حيث اعتاد أن يخترع قصصاً شيقة للأشياء التى يراها ويربطها ببعضها البعض ليتمكن من حفظها، ذلك بالرغم من ظروف قاسية عاشها هذا البطل.

ففى عمر الـ١٤ أصيب بمرض ضعف العضلات وانكماشها فهو يلازم مقعده المتحرك منذ ذلك الوقت، وعندما ساءت حالته الصحية بدأ يدرب نفسه على الحياة والمقاومة حتى وصل لذلك اللقب، كما أنه يعمل كباحث فى كلية الطب بجامعة ماجديبورج ويعد رسالة الدكتوراه الخاصة به.

وعن سر نجاحه قال (يوهانيس بيرناردينج) من معهد القياسات الحيوية والمعلوماتية الطبية الألمانى إن الانضباط غير العادى والتركيز من أهم شروط نجاحه.

وقد أشار علماء النفس فى أبحاثهم التى تنشر بالدوريات العلمية إلى أن هناك ثلاث مراحل تشكل الذاكرة، بمعنى أدق ثلاثة جوانب لمعالجة المعلومات فى سبيل تشكيل الذاكرة، وهى مرحلة ترميزها ثم تخزينها لتصل فى النهاية إلى القدرة على استرجاعها باستخدام تلك الرموز أو الصور أو الأصوات التى التصقت بها تلقائيا، حيث تتضمن مرحلة الترميز تغيير شكل المعلومات التى تستقبلها الحواس مثل حاسة السمع أو البصر إلى شكل آخر، بحيث يستطيع نظام الذاكرة التعامل معه.

فعند رؤية صفحة كتاب قد يتم ترميز هذه الصفحة على شكل صورة أو لون خاص، وكذلك يتم ترميز المعلومات على شكل صوت أو على شكل دلالة لتنتقل بعد ذلك إلى الخزانة التى لا تفتح إلا بكلمة سر صاحبها، ومن الجدير بالذكر أن الطريقة التى يتم بها خزن المعلومات تؤثر بشكل كبير فى عملية استرجاعها لاحقاً، لأن عملية الاسترجاع تشكل آخر مراحل الذاكرة.

ويوضح د. آندريه بريشمان، أستاذ علم الأعصاب فى معهد (لايبيتس) الألمانى، أن رياضيى الذاكرة يستخدمون حيلة استراتيجية تمثل فيها الأشياء أرقاماً، ويؤكد أن لديه اعتقاداً أن باستطاعة الجميع تعلم هذه الحيلة، لأنها تعتمد على استغلال قدرات يتمتع بها المخ بالفعل.

فإن أردت ألا تنسى أجمل لحظات حياتك وصور الأحبة، فعليك بالتدريب والترقيم ليصبح لديك ذاكرة حديدية.

المقال / خديجة حمودة 

الوطن 

التعليقات