يتعلم الحقوق وحوله 8 أحفاد

ليس كل ما يٌقال يمر على العقل بسلام، فالواقع أحيانا يكذبه، ولا تستقيم مع تجارب الحياة عبارة "التعليم في الكبر كالنقش على الحجر"، وتحكي المسنة "روث ويلسون" 88 عاما تجربتها عن التعليم، وتقول إن مواصلتي في التعليم جعلتني أصغر سنا، وشعرت بالضيق في أول خطوات التجربة، وهي تجلس بين طلاب في عمر أحفادها، وكانت وقتها في بداية السبعينيات، وتألمت أكثر حينما شاهدت أستاذها أصغر منها سنا، وتوالت الشهور، واعتادت الأمر، وأصبحت مثالًا رائدًا، وحصلت على درجة الدكتوراه عن دراستها لروايات الكاتبة البريطانية "جين أوستن".
 
للوهلة الأولى يظن الجميع أنه أستاذ جديد منتدب إلي الجامعة، ويمثل جلوسه في مدرجات الجامعة متعة لا تضاهيها لذة أخرى، وترصد الإحصائيات أن نحو 30% من المتقدمين في العمر حول العالم يفضلون استكمال دراستهم أو البدء في التعلم، وكثيرًا ما يغلب عليهم وسواس اليأس، ويتساءلون ما الفائدة من الحصول على شهادات تعليمية جديدة؟ ولكن ما يلبث وأن يقهروا شيطانهم، ويسدون آذانهم عن مقولة أن التعلم في سنهم مضيعة للوقت، ويغلبهم شعور أنه ما زال لديهم القدرة على العطاء والمساهمة في تحسين أسرهم ومجتمعاتهم، ويعتقدون يقينًا بحكمة "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
 
وفي فلسطين مسنون يخرقون السحابة السوداء التي فوق روؤسهم، وهي تحمل مشاهد القتل والتشريد، وقلوبهم يملؤها عزيمة مواصلة التعلم وحصد الشهادات، وينال المواطن الفلسطيني "حسن حلايقة" شهادة الثانوية العامة وعمره 52 عامًا، ويلتحق بعدها بالجامعة، ويتسلم شهادة التخرج في سن الـ 56، ولا تتوقف عزيمته، ويستكمل دراسة الماجستير والدكتوراه وعمره 61 عامًا.
 
تجربة تعلم الشيخ الكبير بعد تقاعده محفوفة بالتحديات، ودائمًا ما يراوده الاستسلام للتقاعد في البيت، أو جذب كرسي على مقهى أو في النادي، يقضي عليه وقته في حكايات لا تسمن ولا تغني من جوع، وللأسف إنها الصورة الذهنية السائدة في نظر المجتمعات خاصة الفقيرة منها، غير أن السياسة التعليمية في فنلندا والسويد تتناغم مع أحلام المتقاعدين الطامحين، وتخصص الدولتان جامعة تطلق عليها جامعة كبار السن، تفتح أبوابها للذين تجاوزت أعمارهم الستين عاما، وتقدم مجموعة محاضرات ودورات تعليمية ورحلات تثقيفية.
 
ولا يعني هذا حظرا لكبار السن عن نيل تخصص ما في إحدى الجامعات الأخر، وإنما الدراسة في جامعة كبار السن أكثر مرونة، وتتيح استمرار العملية التعليمية على مدار الساعة سواء في ساعات الصباح أو في المساء أو في نهاية الأسبوع، ولا تشترط حصول كبير السن عل شهادة دراسية في آخر العام الدراسي، وتوفر فنلندا هذا النوع من التعليم اعتقادا منها أن الدراسة تعتبر هواية لدى البعض مهما كان عمره، وكبير السن يشعر وهو يستكمل تعليمه أنه مازال يتنفس الهواء، ويتشابه المتقاعدون الحريصون على التعلم وحصد الشهادات العلمية بالعباقرة من صغار السن الذين يلتحقون بالجامعة، وقد تخطوا مراحل التعليم الأولي. 
أكتشف علماء الأعصاب بألمانيا أن التعلم في الكبر يحفز نشاط الدماغ، ويحسن الإدراك، ومن جهة أخرى يجعله كبير السن مصدر إلهام للآخرين، ويعكس صورة حسنة عن الالتزام، وأن اليأس يجب منعه من التسلل إلى نفس أي إنسان سواء صغيرًا أم كبيرًا، وحاليًا يرصد الباحثون زحف من الشيوخ كبار السن على التعليم في ليبيا وتونس، وحصل الجد "حمادي الغويلة" بتونس على البكالوريا كما يطلقون عليها في تونس، وهو يبلغ من العمر 72 عاما، ويدرس الآن الحقوق ومن حوله ثمانية أحفاد.
 
 
المقال/ حسين خيري
الأهرام 
التعليقات