فوبيا نابليون "شكة دبوس" في جسد السوريين

رؤية القمر عند جمهور العشاق تشعل نار الحب في القلوب، وتراه العين كأنه وجه الحبيب، أما اليوم فيفرض علينا الواقع إلا أن نقول وأسفاه، ومنا من ينظر إلى القمر نظرة عابرة تجعل قلبه يحترق خوفًا، ويصف الطبيب النفسي هذا الاحتراق بفوبيا القمر، وترتفع فيها ضربات القلب، وتتقارب مع فوبيا الأماكن المرتفعة، ويرصد علماء النفس 250 نوعًا من الفوبيا، وصدّق أو لا تصدّق أن هناك رهابًا أو خوفًا من الأرقام.
 
فلا تحزن يا من تفزع من القمر، ولا تجزع أيها الخائف من رؤية وجبات الأجبان، فقد أصابت الفوبيا من النار فرانكلين روزفلت الرئيس الأمريكي الأسبق، ورهاب الأماكن المفتوحة والأسقف المرتفعة زلزلت قدمي بطرس قيصر روسيا، وعانى نابليون بونابرت من فوبيا القطط، وكانت ترتعد الملكة إليزابيث الأولى من الورود، وقالوا إن دونالد ترامب أصابته فوبيا المصافحة خوفًا من الجراثيم.
 
وتصنيع الفوبيا داخل الغرف المغلقة أصبحت أشبه بتخليق الفيروسات في المختبرات العلمية، والإسلاموفوبيا أشهر فوبيا مصنعة عرفها البشر، وتعكف مافيا الإعلام الغربي على صقلها وتجديد دمائها في استوديوهات الفضائيات وفي أروقة الصحف العالمية، ويشرف على صناعتها علماء نفس وأيادٍ مخابراتية، لكي تتمكن من إصابة أهدافها، ودأب الغرب على استخدامها منذ محاكم التفتيش حتى حروبهم على العراق وأفغانستان، ولن يهدأ في دوران عجلة إنتاج الكراهية، مما أسفر خط الإنتاج عن توغل لليمين المتطرف وبسط نفوذه.
 
وأنتج كذلك كل أنواع الرهاب والهلع في نفوس السوريين وأهل اليمن والعراقيين، وأصبح يجري في عروقهم مجرى الدم، وحسب تقارير منظمة اليونيسف أن الآلاف منهم يعانون اضطرابات نفسية حادة وخاصة الأطفال منهم، فقد شاهدوا أمام أعينهم احتراق ذويهم وتفحمهم، وتحجرت أعينهم رعبًا وهم يراقبون أسقف البيوت والمدارس وهي تنهار فوق الرؤوس.
 
وبشكل شبه يومي وهم في مخيماتهم تستيقظ أعينهم على فقدان أعز الأحباب، تزهق أرواحهم من المرض والجوع، أليس هذا جديرًا بأن يخلق أصنافًا جديدة من الفزع والرهاب تٌضاف إلى مجموع الفوبيا؟ ويسجل حاليًا محرك البحث في جوجل 500 نوع من الرهاب النفسي، وهو رقم لا مبالغة فيه، فإن عدد الأطفال اللاجئين من هذه البلدان تجاوز الـ 36 مليونًا.
 
وإذا ما أعطينا ظهورنا لساحات القتال، وراقبنا أشياء أخرى عن ثقافة الفنون وأنماط السلوك حولنا، نصطدم بأننا نعيش وسط تشويه متعمد لكل جميل، والضغط المستمر للتعامل مع القبح يولد عند البعض الاعتياد والتهافت عليه، فلا عجب عند سماع إصابة أسوياء بفوبيا الشحاذين، أو إصابتهم بعدوى الرهاب من النظافة، ويرجع السبب إلى إقحامهم على مشاهدة عروض بيوت أزياء عالمية عبارة عن ملابس ممزقة من خلال تكرار بثها، ثم يرونها تنتشر كالنار في الهشيم بين الشباب من الجنسين، وتزيد لديهم درجة حرارة هذه الفوبيا مرة ثانية عندما يطالعون أجسادًا حولها الوشم إلى مسخ.
 
ولابد في النهاية أن يلقى الوسواس القهري وفروع الاكتئاب أرضًا خصبة تستقبله وترحب به، وفي المقابل ليس عيبًا أن نسمع عن تزايد نسبة الإصابة بفوبيا الجنس، بمعنى آخر أن بث الأفلام الإباحية بشكل واسع يأتي بنتيجة عكسية ويؤدي إلى الخوف من الجنس، وتتخطى هذه الأفلام العلاقة بين البشر إلى العلاقة بين الإنسان والحيوان، والنتيجة تفاقم الأزمة النفسية من الجنس في نفوس تجزع من مجرد سماعها، أو اقتحمت مواقع اتصالاتهم الاجتماعية ورأوها مصادفة، فلماذا الصراخ والشكوى من هبوط مستوى الأخلاق وتدني الذوق العام؟!
 
 
المقال/ حسين خيري
الأهرام 
التعليقات