المسلمون وأرفع المناصب في الغرب

أرى خليطاً متناقضاً من ردود الفعل تجاه طرح اسم الدبلوماسية الأمريكية هيرو مصطفى جارج لتكون سفيرة أمريكا المقبلة لدى مصر. بالطبع، الاسم «مصطفى» سيستوقف الكثيرين.
 
وألمح هذه الفرحة العارمة «غير المفهومة» حين ابتهج وانشرح واغتبط البعض لاسم «حسين» المتوسط اسم الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما. وتفاقمت الفرحة وتعاظمت الغبطة حين زار مصر فى عام 2009 وألقى خطاباً مفوهاً أنهاه بعبارة «والسلام عليكم».
 
وكالعادة، غاص البعض واستغرق فى البحث عن أصل وفصل الرئيس الأسبق لعله يؤكد أن أوباما مسلم، ولكن ربما مضطر إلى عدم إعلان معتقده على الملأ حتى لا يخسر وظيفته! البعض الآخر وصل لدرجة التأكيد على أنه مسلم وأن الإسلام بالقلب يكفى، وأن من فضل الله ونعمه على الأمة الإسلامية أن يكون اسم رئيس أقوى دولة فى العالم «حسين» وكفى!هذه الفرحة العارمة التى تجتاح البعض لمجرد وجود صلة خفية أو مباشرة أو مجرد مصادفة بين شخص ذى منصب أو جنسية أو انتماء لدولة قوية ذات أغلبية غير مسلمة وبين الإسلام أمر يستحق الدراسة.
 
من حق الجميع أن يفرح، لكن حتى تكون الفرحة حقيقية، يجب أن ترتكز على سبب ما حقيقى. الطبيعة البشرية تميل إلى الشعور بالأمان أو الغبطة أو الفخر لأن من يشبهونها وصلوا لأرقى المناصب. لكن فى الوقت نفسه، علينا أن نعى أن مسألة «مَن يشبهوننا» أكثر تعقيداً مما نظن.
 
حين زار «أوباما» مصر فى 2009، كان والفريق الضخم فى إدارته، يعى تماماً كيف يدغدغ مشاعر المصريين وكذلك العالمين العربى والإسلامى. ورغم أنه حين تحدث عن خبرته الشخصية مع الإسلام، لم يقل أكثر من أن والده ينتمى إلى أسرة كينية «كان بينها مسلمون»، وأنه أمضى سنوات من طفولته فى إندونيسيا حيث كان يسمع أذان الفجر، لكنه لم يتحدث عن حلاوة حياته فى ظل الإسلام أو روعة عمله مستظلاً به، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه ليس مسلماً.
 
والأهم من ذلك، أنه حتى لو كان مسلماً، فإن هذا لن يغير من الأمر شيئاً، باستثناء دغدغة مشاعر من يظنون أن خانة المعتقد فى المجتمعات المرتكزة على المصالح السياسية والغايات الاقتصادية والمنافع الاستراتيجية ستقلب الموازين وتزلزل القوانين. قلب الموازين وزلزلة القوانين يأتيان بناء على عمل وجهد وتخطيط تقوم به جماعات ضغط وما يسمى بـ«اللوبى» وهو ما نجح فيه آخرون على مدار عقود، والنجاح يتحقق بفضل المصالح المشتركة وليس لسواد عين أحدهم.وما جاء فى مقال نُشر فى «فورين بوليسى» تحت عنوان: «كيف وكيف لا نتحدث عن اللوبى اليهودى؟» (2019) للكاتب ستفن والت يستحق التفكير.
 
يقول إنه لا يتم تعريف اللوبى الإسرائيلى من خلال دين أعضائه أو عرقهم، ولكن من خلال أجندته السياسية، أى العمل على تعزيز الدعم الأمريكى القوى لإسرائيل. وهذا لا يشمل فقط اليهود الأمريكيين المتحمسين لإسرائيل، لكن يشمل كذلك الأمريكيين الذين يميلون إلى الدعم غير المشروط لإسرائيل، لا سيما الإنجيليين المسيحيين. كما أن هناك بين يهود أمريكا من ينتقد إسرائيل وسياساتها.
 
بمعنى آخر، المسألة ليست عاطفة جياشة فقط، أو دغدغة مشاعر ليس إلا. الحكاية سياسة واقتصاد ومصالح، وقبل هذا وذاك عمل منظم ورؤية واضحة وكثير من المال والجهد. أما حكاية «أخ مسلم» أو «أخ يهودى».. إلخ، فهذا وهم وخيال.وبهذه المناسبة أشير أيضاً إلى الفرحة العارمة بصعود حمزة يوسف لزعامة الحزب الوطنى الأسكتلندى والوزير الأول فى أسكتلندا لأنه مسلم.
 
وهذا بالطبع حدث فريد من نوعه. ولكن قبل فتح الباب أمام العواطف الجياشة، يجب الإشارة إلى أن هذه مناصب سياسية وليست دعوية. والمناصب السياسية فى هذه الدول تدور حول المصالح والتوازنات فى الدنيا.حمزة يوسف مسلم فعلاً، ولكن السياسة تحتم أن يقول وقت المنافسة على هذا المنصب الرفيع رداً على سؤال حول موقفه من زواج المثليين أنه لن يكون مقبولاً لشخص يعارض زواج المثليين أن يقود البلاد، وذلك فى إشارة واضحة وصريحة لمنافسته على المنصب وزيرة المالية كايت فوربس والتى أعلنت أنها لن تصوت لصالح زواج المثليين.
 
وأعود إلى هيرو مصطفى المرشحة لتكون سفيرة أمريكا لدى مصر. وما لفت نظرى أنها امرأة وتنتمى لأسرة كردية من كردستان العراق، وأنها أمضت عامين من طفولتها فى مخيم للاجئين قبل أن تصل مع أسرتها إلى أمريكا طلباً للجوء السياسى، ورغم ذلك وصلت لأعلى المناصب، وأنها تتحدث تسع لغات بالإضافة إلى لغتها الأم الكردية، وهى الإنجليزية والعربية والروسية والهندية والفارسية واليونانية والإسبانية والبرتغالية والتركية، أكثر من كون اسمها «مصطفى»، ورمضان كريم.
 
المقال / أمينة خيري
الوطن 
التعليقات