عن قرداحي.. وبعضهم!!

في الإعلام نوع من البرامج يمكن أن نطلق عليها «برامج الاستفزاز»، ولا أقصد نوعية برامج زغد الضيوف وإغاظتهم أو الضغط على مشاعرهم ليذرفوا دمعة تعرضها الكاميرا بزووم كبير على الشاشة!، ولكن أقصد البرامج التي تحمل إشارات مستفزة لفئات أو شرائح من البشر، والتي تصل أحياناً إلى حد استفزاز شعب بأكمله، كما حدث في إحدى حلقات برنامج جورج قرداحي «المسامح كريم». 
 
في البرنامج يأتي جورج بشخصين متخاصمين، بينهما مشكلة مزمنة، عائلية، زوجية، مالية، إلى آخر المشاكل!، وأيا ما كانت حدة وصعوبة المشكلة يتم حلها خلال مدة عرض البرنامج بكلمتين وبعض الطبطبة من المذيع، والصلح خير، والمسامح كريم!!. 
 
ومن حسن حظ البرنامج بالطبع، (ويالها من صدفة!!)، فإن كل المشاكل التي يعرضها مهما كانت طبيعتها وتفاصيلها، لا بد أن ينجح المذيع في حلها خلال نصف ساعة، ليتعانق المتخاصمان أمام المشاهدين، وسط تصفيق جمهور الاستديو في نهاية الحلقة. 
 
ومع أني شاهدت واشتغلت ودرّست في الجامعة سنوات طويلة أنواعا عديدة من برامج التليفزيون، إلا أني لم أفهم كيف يمكن لبرنامج تليفزيوني حل مشكلة خاصة جدا، مكان علاجها الوحيد قد يكون في عيادة طبيب أو في مصحة نفسية، أو بتوفير وظيفة وحل أزمة مالية، وقد تكون مشكلة تخجل المرأة أو يحرج الزوج من الحديث عنها أمام الكاميرا!، وكيف يمكن حل أزمة أسرة فقيرة تعاني من قسوة الحياة هكذا في برنامج يتم تسجيله داخل استديو، ونعرف جميعا كيف تتم صناعته، وماذا يتقاضى ضيوفه!!. 
 
الحلقة التي شاهدتها بالصدفة كان ضيفاها زوج على قد حاله، وزوجة بسيطة من مصر، ظل جورج خلال الحلقة يضغط على الزوجة: «هل المشكلة بينك وبين جوزك فقط أنه عاطل ولا ينفق على أولاده؟، مفيش حاجة تانية مهمة بينكم عايزة تقوليها؟، معقول عشان مشكلة بسيطة زي كده تسيبي بيتك وتقعدي عند أمك؟!».
 
وبعد لحظة صمت، يبدو التأثر والأسف على وجه جورج قرداحي، ويبدأ فقرة النصيحة والعتاب للزوجة، ولكل زوجة مثلها لا تقف بجوار زوجها الذي لا ينفق على أولاده، عصبي أو نكدي أو يؤذيها بكلام جارح «نعرف جميعا أن مصر دولة فقيرة، تعاني من ظروف اقتصادية صعبة، ومن واجب الزوجة أن تتفهم وتتحمل ظروف زوجها!»، وهنا يجدها الزوج فرصة لإضافة الحكمة الخالدة «لو كل زوجة طلبت الطلاق عشان جوزها مابيشتغلش ومابيصرفش، كان ثلاثة أرباع المصريين اتطلقوا»!. 
 
ثم يختم قرداحي وصلة الدراما الفجة بإقناع الزوجة بالتراجع عن الطلاق، وقبول صفقة الإذعان التي عرضها زوجها بالانتقال للمعيشة في بيت أمها! «لتوفير فلوس إيجار شقتهم»!. 
 
وهكذا انتصر البرنامج للنطاعة، وانحاز للزوج العاطل على حساب الزوجة البسيطة وأهلها، بدلاً من الاجتهاد لتوفير حل حقيقي موضوعي وإنساني عادل لأزمة اجتماعية تعصف ببيوت عربية كثيرة، وليس في مصر وحدها!. 
 
ما أحزنني وأغضبني شخصيا هو تعليق جورج قرداحي على «الفقر في مصر»، وهي -للأسف- حالة تتكرر هذه الأيام في برامج وتعليقات بعض الإخوة العرب على مواقع السوشيال ميديا عند الحديث عن مصر!.
 
مقال / محمد الشبه
التعليقات