الأم الفلسطينية تغدو ثكلى وتمسي أرملة

مرحبًا بدنو عيد الأم، وبشرى لأمهات نابلس يستقبلن 11 شهيدًا، ويكتب التاريخ بحروف من الذهب اسم أم عبدالرحمن، وحكايتها لم يمر عليها سوى بضعة أسابيع، كانت تصلي الفجر بين جدران منزلها، وأصوات رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي تتعالى حولها، وترفع يديها إلى السماء ليحفظ الله ولدها عبدالرحمن وأبناء فلسطين، وتطلب الأمان والاستقرار لشعبها.
 
ظلت حتى نور الصباح ترتقب عودة أبنها وقلبها تتعالى دقاته، ويدق الباب، وتفتحه على كلمات تزف إليها عبدالرحمن شهيدًا، وهو محمولاً على الأكتاف، وكانت تستعد بعد شهرين لزفافه إلى عروسه، ولكن زفته إلى وطنها فلسطين راضية، وقلبها ينزف دمًا.
 
وعلى أبواب أعياد الأم لم يخل يوم من الأيام الماضية وتتلقى أمهات فلسطينيات نبأ استشهاد نور عينيها في جنين ونابلس، وقد يسقط اثنان أو ثلاثة من أبنائها، وتتلقف أخبار سقوطهم واقفة لا تنحني، خشية أن تقع وتتصدع الأرض من تحت أقدام الأبناء.
 
لا تتخاذل عن تقدمها للصفوف الأمامية المواجهة للعدو، وتظهر في المشهد وهي ترتقي شهيدة دفاعًا عن بيتها وصغارها يتعلقون بها، وأم فلسطينية تغدو ثكلى وتمسى أرملة، وأمًا تنتظر عودة أبنها الأسير، وثالثة تفقد زوجها وأحد أبنائها في آن واحد وبدم بارد، وأخرى يعتقلها جنود الاحتلال في رحاب القدس، وينهالون عليها ضربًا.
 
وأمام جرافات الاحتلال يحاولن منع تدمير منازلهن، ويواجهن قرار الإبعاد عن الأرض والديار، ويصطحبن أولادهن؛ حيث يستقر بهم المقام، ولا تسود الدنيا أمام أعينهن، ويضئن شمعة بين الركام،ويعكفن على تربية أبنائهن، ويشيدن خيمًا من القماش، ليستظل بها أفراد عائلاتهن، ويتواصل دورهن بلا وهن في إعداد الرجال، وفي سجون إسرائيل يقبعن عشرات الأمهات، وتمر الشهور ولا ترى فيها أبنائهن.
 
وكم من أم مثالية يسكن بلاد العرب، يحاكين أمهات فلسطين البواسل كأيقونة للتضحية، ويتمثلهن في بذل العطاء وفي احتواء وتعضيد الأبناء والزوج والشقيق، وبرغم مكابدتهن للأوجاع، لا يجرؤن على التراجع، وزراعة الأمل، ويتوحد مصيرهن مع الأمهات الفلسطينيات، ويتحولن إلى أرض لا ينضب عطاؤها.
 
وهذه "فاطمة الزق" يأسرها المحتل الإسرائيلي، وتضع طفلها في الأسر، ولا يلين عزمها، وتتحرر لتواصل تربية وليدها، ومن أجل ذلك ينظر قادة إسرائيل إلى المرأة الفلسطينية على أنها تمثل تهديدًا ديموجرافيًا لدولتهم، وتصف صحيفة هاآرتس الإسرائيلية الشعب الفلسطيني بـ "الأعجوبة" الثامنة في العالم، وتتساءل كيف لم ينكسر في مواجهة قوة كبرى من القوات العسكرية الأقوى على مستوى العالم.
 
وإلى كل أم مثالية حنون مخلصة، احتضني أبناءك واغرسي فيهم الانتماء، وقدمي رجالاً يرفعون قواعد البناء، لتعيش بلادهم في أمان، ولتحيا مستقبلا ينبض حبًا ووفاءً، ونستقبل يوم الوفاء للمرأة العربية ونحن نرفع لها القبعة، فهي مصدر فخر وعز لشعبها، لكي تمضي بإصرار وعزيمة في استكمال مسيرة تربية أبنائها، حتى ولو رحل عنها الزوج إلى بارئه، أو تركها.
 
 
المقال / حسين خيري
بوابة الأهرام
 
التعليقات