مدينة الإنتاج الإعلامي.. تجربة مصرية خاصة

تحتفل مدينة الإنتاج الإعلامي بيوبيلها الفضي (25 سنة)، وخطط رئيسها الكاتب الكبير الأستاذ عبدالفتاح الجبالي لاحتفال خاص بقدر هذه التجربة المصرية الخاصة، التي أثبتت بها مصر ريادة إعلامية في سائر المنطقة، كان الحديث في آخر سنوات القرن الماضي، عن "الريادة الإعلامية" و"السموات المفتوحة" مثيرًا لسخرية البعض، وكانت شديدة، وأيضًا للتندر وكان مؤسفًا.
 
وبرهنت السنوات التي مرت على براعة التجربة، فيما قدمته من أعمال، وما أتاحته من فرص، مازال بوسعها تقديمها، وفيما صمدت فيه أمام محاولات تصغيرها وتحميلها مواقف سياسية متصارعة. 
 
زرت المدينة قبل أيام من الاحتفال، والتقيت رئيسها الأستاذ الجبالي، الذي قرر أن يكون الاحتفال منصة وفاء لرؤساء المدينة السابقين ولمؤسسيها، وتكريمًا لعناصرها، وللفنانين والمخرجين وكبار الكتاب، وفي يوم زيارتي صعدت أسهمها في البورصة، وللتذكير فإن تجارب موازية للمدينة وأقل منها حجمًا وطموحًا، بدأت من أوروبا، وعاد معظمها بعد سنين إلى الأرض العربية خصوصًا في دول الخليج. 
 
أما التجربة المصرية، فقد بدأت في الأرض المصرية في تحد واضح، وإصرار حقيقي، ومهما اختلفنا مع وزير الإعلام صفوت الشريف، أو تعمقنا في أي تحليل حول أدواره السياسية، فإنه هو الذي أنجز هذه المدينة، ورسم لها خطة عملها، وأقام مباني واستديوهات هائلة، على أسس هندسية طموحة، بما لا تحتاج معه ـ رغم مرور تلك السنوات ـ إلى أي إضافة جديدة، فالمدينة العملاقة لم تبن بالنظرة الضيقة للأمور، والتي نكتشف بعد حين أنها قاصرة وبحاجة إلى التجديد أو الانتقال لمكان آخر، كما حدث في الكثير من منشآتنا السكنية أو في الطرق والمحاور. 
 
لقد ضاق مبنى ماسبيرو بتاريخه العظيم، باستديوهاته وعناصره المبدعة وموظفيه، فكانت المدينة نقلة نوعية في الفكر والمكان، وكل التصورات عن بعد المدينة عن وسط العاصمة ذابت مع التوسع العمراني الذي تجاوز مقرها إلى مساحات شاسعة من حولها، لكن لم يقل أحد أبدًا أنها بحاجة إلى توسعات، وربما أضيف عدد من مقرات القنوات، لكنها تأسست برؤية قد تكمل مائة عام من عمرها من دون أي شكوى من تكدس أو نقص في إمكانيات. 
 
نضج مشروع المدينة مع السنين، في البداية كان قرار إنشاء المدينة عام 1979، ثم سنوات التخطيط الذي بدأ في عام 1985، ثم البناء الذي تم الانتهاء منه وافتتاحها عام 1997. هي بدأت بمنطقة إعلامية، حرة وقاعدة من المباني والاستديوهات الحديثة، ومناطق التصوير المفتوحة، وقاعات مجهزة، فضلا عن منطقة ترفيهية متطورة، وأنتجت المدينة أعمالًا درامية تليفزيونية وسينمائية ووزعتها، وتم بناء شبكة ونظم بث رقمي جديدة، واستفادت من القمر الصناعي المصري نايل سات 1 الذي أطلق بعد افتتاحها بعام واحد فقط (أبريل 1998)، وفيما بعد نايل سات 2. وتأسست شركات لتوزيع القنوات في تكامل عناصر عكست حداثة مبكرة للمدينة، وكانت مصر قد أطلقت قناة فضائية أولى عام 1990، كبداية عربية رائدة، كما شهدت المدينة انطلاق القنوات المصرية الخاصة، التي تتالت وتوسعت في برامجها، وباتت شديدة التأثير في تشكيل الرأي العام.
 
تأسست المدينة على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع، وكان رأسمالها المدفوع بقيمة 1.4 مليار جنيه، وحصة اتحاد الإذاعة والتليفزيون خمسين في المائة، وفي نوفمبر الماضي اعتمد مجلس إدارة المدينة، القوائم المالية عن نشاط الشركة خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2022، وحيث ارتفع صافي الربح إلى 145 مليون جنيه مقابل 103 ملايين جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، وزادت التدفقات النقدية الحرة إلى 214 مليون جنيه مقابل 83 مليون جنيه.
 
وفي ظني أن أكبر تحدٍ يواجه المدينة بعد الاحتفال باليوبيل الفضي هو العودة إلى الإنتاج الدرامي، أفلام ومسلسلات ووثائقيات، حيث توسعت الشاشات ودور العرض في مصر والدول العربية، التي تطلب الفيلم والمسلسل المصري، وسبق وأنتجت المدينة هذه النوعية من الأعمال، وهي مهمة إنتاجية تحمل الكثير من المغامرة، لكنها ستكون سبيلا لإعادة دعم الإنتاج التليفزيوني والسينمائي في مصر.
 
المقال/ محمد الشاذلي
بوابة الأهرام
التعليقات