تشعر بالخطر؟ أغمض عينيك!

اخترت ألا أكتب عن مسألة كيفن هارت، لأننى كنت على يقين بأن عاقلًا ما، فى مكان ما، فى وقت ما، سيتدخل لحل المسألة بطريقة أخرى غير تلك التى كنا نتبعها ونحن فى الصف الثانى الابتدائى إن تعرضنا لمشهد رعب فى فيلم، فنبادر إلى تغطية أعيننا بأيدينا إلى أن يمر المشهد.

كنا نعتقد أننا بذلك قد درأنا الخطر ووقينا أنفسنا شرور الخوف والقلق والضيق. ما لم نعرفه بسبب صغر السن وانعدام التجربة هو أن الفيلم يظل محتفظًا بمشهد الرعب الذى لم نشاهده.

الممثل والـ«ستاند أب» كوميديان الأمريكى كيفن هارت كان يفترض أن يقدم عرضًا فى الصالة المغطاة فى استاد القاهرة يوم 21 الجارى، لكن ما إن تم الإعلان عن الحفل حتى شن مصريون حربًا على فكرة الحفل وطالبوا بعدم مجيئه، وذلك عقابًا له على الأفكار التى يعتنقها فيما يسمى «الأفروسنتريزم».

و«الأفرونستريزم» التى باتت حديث الساعة هى حركة تسعى لنشر أفكار حول هوية ومساهمات الثقافات والحضارات الإفريقية فى العالم، وتتركز فى أمريكا وعدد من الدول الأوروبية بين السكان من أصحاب الأصول الإفريقية.. وبين ما يروجون له أن الحضارة المصرية أصلها إفريقى.

وعلى فكرة، هذه الحركة لم تظهر أمس أو أمس الأول، بل تعود جذورها إلى ثمانينيات القرن الماضى، أى مضى على تأسيسها وانتشارها نحو أربعة عقود!، وتعود مفرداتها وأفكارها إلى الأكاديمى الأمريكى (أفروأمريكان) موليفى أسانتى والذى كان يترأس قسم «الأفريكولوجي» (علم إفريقيا) فى جامعة تمبل الأمريكية.

بمعنى آخر، 40 عامًا من تلك الأفكار التى لم تقلق منامنا أو تؤرق مضاجعنا إلا بين الحين والآخر حين يقدم أحدهم فيلمًا عن الحضارة المصرية من خلال نجوم من أصحاب البشرة السوداء مثلًا ما يثير تعجبنا، ثم نمضى إلى حال سبيلنا.

والمسألة بالطبع ليست اعتراضًا على لون البشرة، ولكن على تزوير أو تمويه أو توجيه أو استلاب التاريخ عبر القوى الناعمة!. مجاهدو الـ«سوشيال ميديا» اعتبروا أن شن حملة شعواء على هارت، والنجاح فى إلغاء الحفل هو قمة النجاح.

لكن الحقيقة أن قمة النجاح هى مواجهة الفكرة بالفكرة، والقوى الناعمة بقوى ناعمة، والوعى المغلوط بالوعى الصحيح، والتاريخ المزور بالأصلى، وهذه أمور لا تتحقق حنجوريًا، بل فعليًا.

ما الفرق بين «الجهادى» الذى يشج رأس غير الجهادى، والناشط العنكبوتى الذى يلغى فعالية لمن يختلف معه فى الفكر أو يحاول سرقة تاريخه أو تزويره؟.. هل من مخرج من هذه الحفرة العميقة التى تجعلنا نعتقد أننا قادرون على محاربة طواحين الهواء ونحن معصوبو العينين؟.

هل مَنْع أحدهم من زيارة مصر سيجعل أحدهم يُغيّر فكره أو نشاطه؟!.. وبهذه المناسبة السعيدة، فإن هارت يمتلك جزءًا من أصول شركة «بلاك ساندز» الداعمة لـ«الأفروسنتريزم».

هتمنعها إزاى دى بقى؟! وللعلم، قدم هارت حفله أمس فى أبوظبى.

المقال/ أمينة خيري
المصري اليوم

التعليقات