«حدش شاف» .. منير مراد

كان مهرجان الإسكندرية السينمائى قد أعلن أنه سيحتفل بمئوية الفنان منير مراد فى دورته هذا العام والتى انتهت قبل أيام، ولكن القائمين عليه رجعوا فى كلامهم بحجة تضارب المعلومات حول تاريخ ميلاده، رغم احتفال دار الأوبرا بهذه المناسبة فى يناير الماضى، وكانت احتفالية رائعة أخرجتها جيهان مرسى، وقادها د.محمد الموجى.

وفى اعتقادى أن التجاهل الذى طارد منير مراد له تاريخ، رغم ما قدمه للموسيقى العربية، موسيقاه المرحة الخفيفة الرشيقة التى تبدو بسيطة، ظللت أيامنا بغلالة من البهجة، وحين تطل علينا بين الحين والآخر، يتذكر كل واحد على حدة اللحظات السعيدة فى تاريخه الشخصى، موريس، اليهودى المصرى، الذى غير اسمه الى منير بعد أن أشهر اسلامه، بدأ حياته العملية بعد تركه الدراسة  فى السينما كعامل كلاكيت مع المخرج  توجو مزراحى، ثم كمساعد مخرج فى 24 فيلما مع المخرج كمال سليم مخرج فيلم «العزيمة»، تعرفه على محمد عبد الوهاب أثناء عمل شقيقته ليلى مراد معه فى فيلم «يحيا الحب» غيرحياته، وكان موسيقار الأجيال يصحبه فى رحلاته إلى أوروبا ليكون مترجما له عند الفرنسيين والانجليز، وكان عبدالوهاب يلحن أحيانا جملة أو جملتين ثم ينساهما فيجد منيرمراد يتذكرها وكانت هذه الرحلات مفتاح التحول، وبسببها قرر أن يتفرغ للتلحين، وكانت أولى محاولاته أغنية فى فيلم من إخراج حلمى رفلة غناء شادية، لكن المخرج استبعدها لأنها كانت حزينة، بدايته الحقيقية كانت مع أنور وجدى (زوج شقيقته) فى فيلم «ليلة الحنة» بطولة شادية بأغنية «واحد اتنين»، نجحت الأغنية، وسط أغنيات الفيلم التى كانت من ألحان عظيم الشأن محمود الشريف، لتبدأ رحلة  الثنائى (شادية ومنير)، وقدما معا 69 أغنية من أعذب وأرق ما سمعنا، ارتباطه بموسيقى الغرب جعلته يلجأ إلى الجيتار والبيانو والساكسفون والأبوا والكلارنيت والفلوت، ثم بدأ المزج بينها وبين الآلات الشرقية مع مرور الوقت.

ألحانه كانت تبدأ بالمقام الغربى وتتداخل معها فى المنتصف المقامات الشرقية بسلاسة دون أن تشعر بالغرابة، تأثر منير مراد بوالده زكى مراد الذى كان ينتمى الى موسيقى القرن التاسع عشر، ولحق مع داود حسنى الثورة التى أحدثها الجيل الجديد بقيادة سيد درويش، ولم يرفض التجديد ومزج بين القديم والجديد فى ألحانه، مثل «صيد العصارى ياسمك بنى وفيك ناس ياليل وهاتيلى يامه عصفورى» وهى ألحان أبدع فى غنائها الفنان السورى الراحل صباح فخرى، وتأثر بمحمد عبد الوهاب المجدد الكبير والذى هضم كل المدارس اللحنية، كل هذه الروافد بالإضافة الى الصفاء النفسى جعلت هذا الموهوب صاحب بصمة عظيمة فى الموسيقى الحديثة، وربما كان محمد فوزى هو أستاذه الأهم، ويرى سليم سحاب أن الأسلوب المتفائل المرح الاستعراضى الذى وجده منير فى أول فيلم لشادية (العقل فى أجازة) المفقود، وأن أغنية «متشكر» فى هذا الفيلم كانت قاعدة الانطلاق لأسلوب منير مراد الخفيف المرح المتفائل والاستعراضى الذى لازمه طوال حياته الفنية، وبالذات فى ألحانه «لشادية»، لحن منير 3000 أغنية، من أشهر ألحانه على سبيل المثال «أول مرة تحب يا قلبى، استعراض الطلبة، وبكرة وبعده، بحلم بيك، حاجة غريبة، دقوا الشماسى، ضحك ولعب، مشغول وحياتك مشغول، وحياة قلبى وأفراحه لعبد الحليم حافظ».

وقدم لوردة الجزائرية أغنية «من يوميها»، ولفايزة أحمد «شغلونى عيونك، وبغير عليه»، ولشريفة فاضل، «فلاح كان ماشى بيغنى، والشيخ مسعود، أنا قلبى بابه حنين، حارة السقايين، الليل»، وقدم لمحمد قنديل «زعلوا الأحباب»، ولمحمد رشدى «كعب الغزال»، وقدم لأخته ليلى مراد «طبيب القلب، وأنا زى ما أنا وأنت بتتغير»، بخلاف الديالوجات الشهيرة، لشادية مع كمال الشناوى وعبد الحليم، الى جوار التلحين أبدع فى مجالات متنوعة، شاهدناه مغنيا فى أفلامه، وحصر غناءه فى تقليد أصوات مشاهير الغناء مثل استعراض «حدش شاف» الذى قلد فيه عبد الوهاب وفريد الأطرش، معرفته بأنواع الفنون الموسيقية الاستعراضية العالمية وتأثره  بجين كيلى وفريد أستير، ظهرت فى الأفلام الثلاثة التى مثلها: أنا وحبيبى  الذى ضم 12 أغنية واستعراضا، نهارك سعيد، موعد مع إبليس، وبالطبع لم يبخل على فن الرقص الشرقى بمقطوعات رشيقة لتحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف.

رحل منير مراد فى 17 أكتوبر سنة 1981 عن 59 عاما بعد تناوله السحور، ولم يحضر جنازته سوى ابنى شقيقته ليلى، لتزامن رحيله مع رحيل الرئيس السادات، ولم تكن مقبرة العائلة مجهزة، فدفن الى جوار صديقه عبدالحليم حافظ، والإحتفال بموهبة استثنائية مثل منير مراد هو احتفال بمصر المبدعة، احتفال بالجمال والرقة والعذوبة، موسيقاه تعيش معنا، وساهمت مع موسيقى الملحنين الكبار فى انسجام المجتمع، وصنعت ذاكرة مشتركة، لا تفرق بين المصريين على أساس العرق أو الدين أو المنطقة الجغرافية، منير مراد، مصرى، بذل عمره لإسعاد المصريين، من الإسكندرية (المدينة وليست المهرجان) حتى أسوان .. ألف رحمة ونور على روحه.


 

التعليقات