«ملك سيام».. عهدٌ من «صبحى».. واجبُ النفاذ!

(صديقتى الغالية جدًّا «فاطمة ناعوت»، الكاتبة والشاعرة المبدعة، والأمُّ الحنون لمشاكل من حولها والعالم كله.. وجّهتْ لى تهديدًا ووعيدًا، وتعهدًا بالمساندة، لكى أقدم مسرحية «ملك سيام»، التى كان مفترضا تقديمها عام ٢٠٠٢. واليوم، أقول: يا ناعوت.. الحلمُ لا يموت. وأعدُك قريبًا بتقديم حُلمى وحُلمك على المسرح: «ملك سيام»).

هكذا كتب عظيمُ المسرح الأستاذ «محمد صبحى» على صفحته. وطرتُ من الفرح لتحوّل أحد أحلامى من «خانة المستحيل» إلى «خانة الممكن». فكتبتُ على صفحتى ما يلى: (وأخيرًا أثمر تهديدى ووعيدى على مدى السنوات! ولكن على أن أصحِّحَ صورتى أمام جمهورك العريض يا مايسترو صبحى، لئلا تتكسَّر النصالُ على النصال فوق عنقى، إذ كيف لى أنا التلميذةَ الفقيرةَ أن تُهدِّدَ أستاذَها وتتوعده؟! والحقُّ أنْ سبقَ التهديدَ والوعيدَ سنواتٌ وسنواتٌ من التوسُّل والرجاء «والمحايلة» من ناحيتى إلى الأستاذ صبحى ليعرض «ملك سيام»، التى كانت الحلقة الرابعة من مشروعه الرائد: «المسرح للجميع». لكن ضخامة الإنتاج وصعوبة العرض، كونه عرضًا عالميًّا وليس محليًّا، حالت دون إتمامه للأسف! وبعدما لم تُجدِ نفعًا جميعُ الرجاءات والتوسلات (وجلبى كان جااايد ناااار) جنحتُ مُجبرةً إلى التهديدِ والوعيد. والآن ارتاح قلبى، ولاح الأملُ فى الأفق، بعد وعد الأستاذ هذا. وأنا أعلمُ أن الأستاذ صبحى لا يخلفُ وعدًا ولا ينقضُ عهدًا. ننتظرُ العظمةَ والجمال والفنَّ الرفيعَ على أحرِّ من الجمر. ونعد أنفسَنا بدرسٍ درامىّ مسرحىّ جديد من دروس مايسترو المسرح محمد صبحى. وأعتزُّ جدًّا بهذا الشعار: «يا ناعوت الحلم لا يموت». ربنا يخليك وتحقق كلّ أحلامنا الجميلة يا مايسترو).

وسبب فرحتى وكتابتى هذا المقال يعودُ إلى سنواتٍ قرابةَ العقدين. فلا أذكرُ أن شهرًا قد مرَّ علىّ طوال عشرين عامًا مضت، دون أن أذكر عبارة «ملك سيام» للأستاذ صبحى، أدعوه وأرجوه أن يُكملَ ما بدأه فيها ويُخرجها من ظلمات البروفات والورق إلى نور خشبة المسرح والجماهير. وكانت الإجابةُ من جانبه دائمًا قاطعةً نهائيةً باتّة باستحالة تقديم هذا العرض الآن، لصعوبات إنتاجية وفنية عديدة. ولسبب ما داخلى لا أعلمُ كنهَه، لم أيأس ولم أتوقف عن تكرار المحاولة، رغم ردّه الحاسم فى كل مرة. شىءٌ داخل قلبى كان يهمسُ لى بأن كلَّ ذلك الجهد الصعب الذى أنفقه الأستاذ فى القراءة والاختيار والتخطيط والتحضير والإخراج والبروفات، وحتى تصميم الملابس والديكور والإضاءة والموسيقى وتدريب الأطفال الآسيويين الذين اختارهم من السفارة التايلاندية بالقاهرة، وغيرها من عديد الأمور المرهقة والمكلفة، كل ذلك الجهد المبذول لإخراج «ملك سيام» إلى النور، مستحيلٌ أن يذهب سُدى أدراجَ الرياح. لابد من نتيجة ما! فكل غَرس ورعاية، لابد يتلوه ثمرةٌ. وإلا ما جدوى التعب وما جدوى الحياة! هكذا يقول «قانون الكارما» فى إثابة المجتهدين الجادين بالثمر الطيب، وهكذا يُخبرنا ربُّ العزّة: «إنّا لا نضيعُ أجرَ من أحسن عملا». والحقُّ أن حُلمى بمشاهدة مسرحية صبحى لم يكن طوباويًّا محضًا، بأن يرى الأستاذُ ثمرةَ تعبِه، بل كان فى الأصل «ذاتيًّا برجماتيًّا» بأن «نرى نحن» ثمرةَ تعبه. فالفنانُ والعالِمُ والمخترعُ والمبتكرُ والطبيبُ والمهندسُ، وكلُّ موهوبٍ يقدّم للإنسانية عملاً جميلا، يكون هو أقلُّ المستفيدين بما يصنعُ. المهندسُ يشيد بنايةً لن يسكنها، يسكنها غيره، والمخترعُ يفيدُ باختراعه مليارات البشر ليس هو من بينهم، كذلك الفنانُ الحقيقىّ يقدمُ للإنسانية عملا يُثرى الوعى الإنسانى ويبقى عمله خالدًا يفيد الناس جيلا بعد جيل، ولا يحصدُ هو إلا دقائقَ من التصفيق بعد شهورٍ من الجهد العسر واحتراق الأعصاب. ولستُ صادقةً تمامًا، فهو يحصدُ مع ذلك حبَّ الناس وتقديرهم وخلودَه فى أعماقهم. وبالفعل تجلّتْ تلك المشاعرُ فى عاصفة الفرح على صفحة الأستاذ صبحى وصفحتى، حينما أعلن تراجعه عن قرار عدم استكمال «ملك سيام»، وتعهده بتقديمها، رغم معرفتى بانشغاله بمسرحية أخرى ننتظرها بشغف هى: «عائلة اتعمل لها بلوك».

أما لماذا أُطلق على النجم «محمد صبحى» لقب «مايسترو»، ذلك اللقب الذى تعودنا عليه مع الموسيقيين وقادة الأوركسترات، فلهذا قصةٌ طويلة كتبتُها فى مقال قديم بعنوان «ستُّ حركات للموسيقار محمد صبحى»، ولهذا حديثٌ طويل حول كيف تحولتِ الحركاتُ الأربعُ فى السيمفونيات إلى ستٍّ فى مسرح صبحى.

وبما أن التهديدَ يأتى ثمرَه، فأرجو أن يرعوى «بابا ونيس» ويخرجَ لنا ما وعدنا به فى «مهرجان المسرح للجميع» من المسرحيات التالية: «سمع هُس»- سعد الدين وهبة، «أوديب ملكًا»- رؤية حداثية، «الصراصير لا تأكل الديناصور». أستاذى العزيز، محبتى واحترامى وشغفى بقادم أعمالك الثرية.

"عن المصري اليوم"

التعليقات