الدولة وقبيلة المجالس العرفية

حين تحل المجالس العرفية محل القانون فإن ميزان العدل يميل ، ويقوض بنيان الحق، إذا ماغاب الإنصاف والقسط بين الأطراف. وفي هذه القبائل الظالم اهلها يفوز فيها الغالب والقاهر والمغتصب ، لكن الدولة تنتصر للقانون ويفوز فيها صاحب الحق الضعيف قبل القوي. في القبيلة هذه تنعقد البيعة بالغلبة والإكراه ، ويكون الإقرار بالظلم والإستبداد جائزا ومباركا ، والإنتصار لهما وتأييدهما شرعا ومقبولا، وفي الدولة لا بيعة ولاولاية إلا للقانون ، والإنتصار له حق وواجب ومصير . في هذه القبيلة تفتقر المجالس العرفية الي المساواة بين الخصوم ، والعدالة بين الأطراف ، إذا وقف طرف يملى شروطه والآخر يذعن مخافة البطش والإضطهاد ، في الدولة الجميع أمام القانون سواء ، و يتمتع الخصوم بحماية المراكز القانونية دون تفرقة أو تمييز بسبب الدين او الجنس او اللون او العرق ، في القبيلة يعلو مبدأ الإستعلاء والمفاضلة بالأنساب والالقاب والاديان ، في الدولة الجميع احرار ، و كرامة المواطن والحريات الأساسية مصانة للجميع ، في هذه القبيلة يتحول الظلم الإجتماعى في ضمير المجتمع الي عرف وعادة مستقرة ومستوطنة ، و تنقرض معها فضيلة المروءة والشهامة والرجولة، حتى لتتخطاهم جميعا رذائل الجبن والخسة والندالة ، هذه هي القبيلة وهذه هي الدولة او هكذا يجب أن تكون .
هذه المجالس العرفية قد أعطت التمييز الطائفي والجنسى والديني حصانة شعبية، واستعدي فيها الرجال على النساء ، وأستقوي وتعالى فيها المسلم على غيره، فما تنازلت الطالبة حبيبة طارق بكلية الآداب جامعة طنطا عن محضر التنمر من المراقبين لإرتدائها فستان أثناء تأديتها الإمتحان إلا خوفا على مستقبلها وضياعه، وليس بالرضا والقبول والمسامحة ، وماتنازلت نيفين صالح المسيحية التي صفعها هذا الوحش السلفي الصيدلي على ابو سعده لكشف شعرها في نهار رمضان في قرية " سبك الأحد" مركز أشمون المنوفية، حصن ومعقل السلفية بقيادة زعيمهم الشيخ "محمد سعيد رسلان" إلا خوفا من بطش رجاله ومطاردتها وأهلها في قرية يشبهها الناس بقندهار والتي يحكمها "قانون رسلان "، فإذا كان هذا السلوك مقبولا ومسكوتا عنه وغيره الكثير فسوف يستقر في وجدان الظالم والمظلوم هذا التمييز ويصبح سلوكا مجتمعيا وعرفا دائما ومتأصلا وراسخا ، ويغيب القانون والدولة ، ويسود التناحر والتقاتل بين أفراد المجتمع ، ويصبح الإنتماء للدولة في خبر كان، و ليس هذا فقط بل ينتقل هذا السلوك من قرية إلى أخرى ومن مدينة الي أخرى حتى يصبح سلوكا عاما وشاملا .
إنتبهوا ايها السادة فنحن نجر جرا الي مسالك ودروب القبيلة ، و تزف النساء كالاسيرات المسبيات الي مخادع الدولة الدينية، وهن بين محظية وذمية ، وأمة وحرة، والدماء فيها بين خبيثة وذكية ، والرجال بين أسياد وعبيد،والمواطن بين مؤمن وكافر، والقانون يتم إستدعاؤه تارة والإستغناء عنه أخرى ، ذو قوة وهيمنة في مناطق وضعف وهوان ورخاوة في أخرى، وهذا هو منهج هذه الجماعات المتطرفة (خلق أماكن متفرقة في الدولة تسيطر عليها هذه الجماعات القادرة على إدارة الفوضى والتوحش ثم التمكين منها) وهو منهج معتبر ومعتمد لهذه الجماعات ( والتوحش هي حالة من الفوضى تدب في مناطق بعينها تؤهل تدريجيا لهذا، ويتم فيها إستبعاد قبضة الدولة وسيطرتها وهيمنتها وسلطة القانون، حتى تعم الفوضى المتوحشة والسرقة والنهب والإغتصاب بين أفراد المنطقة ، ومن ثم يلجأ الناس الي هذه الجماعات لإدارة هذا التوحش ، وهي القادرة على ضبط الأمن، وتحل هذه الجماعات محل الدولة والسلطات الحاكمة والقانون، بعد إستنزاف قوي الدولة القائمة وتقوية شوكة تيار الإسلام السياسى، ثم تعم السيطرة والزحف على باقي المناطق، هكذا كانت بداية الحكم الذاتي لطالبان في شمال باكستان، بدأت بنظرية" المياه السائلة " حتى إنتشرت برك ومستنقعات " الحكم الذاتي" و بداية "الدولة الدينية المصغرة " وتختفي معها الدولة الحاكمة نقطة وراء الأخرى، ومنطقة وراء الأخرى، و يفرض الإستقواء والغلبة .
ايها السادة لاتتهاونوا مع فكر هذه الجماعات، ولا تتراجعوا عن الحق حتى لو كان هينا وبسيطا، فإن هذه الجماعات تحبو كالطفل دون ملل حتى لو بلغوا الهدف في قرون، وإياكم وحسن الظن بهؤلاء فما يبدو عملا فرديا وشخصيا، ليس كذلك ، فكل شئ عندهم وإن بدا بسيطا بمقدار، ومخطط له من مسافة أميال، ومن وصل اليوم كان على موعد مع من كان وصوله بالأمس، وهؤلاء جميعا ساعون الي هدف واحد وإن تعددت فصائله السياسية ، وبدت الوسائل متنافرة ومتقاطعة ، واللى تحسبه عيسى منهم يطلع فرعون .
هذا بلاغ لمن يهمه الأمر ،إرفعوا مجالس العار والقهر من مفردات هذا الوطن ، و اعلوا بمقام القانون فوق رؤرس الجميع منتصرا وثابتا وشاملا ارجاء الوطن، مهما كلفنا الأمر ، ولا مجاملة او وساطة أو محسوبية في دولة القانون والمواطنة ، الجميع سواء من أعتدي على فرد الأمن في احد التجمعات السكانية، ومن أعتدي على السيدة المسيحية او على بنات المترو السافرات ، أو عرى سيدة المنيا، كل من تجاوز في حق المواطن والدولة يحاسب بالقانون دون إعتبار لأى مخاوف يفرضها ويزكيها أصحاب المصالح والمنافع ، هذه هي الدولة وهذه هي القبيلة، وعلينا أن نختار "الدولة المدنية هى الحل.
" من صفحته "

التعليقات