محمد الشاذلي يكتب: مجدي يعقوب.. الرفق بالقلب المصري

أتصور أن اختيار الدكتور مجدي يعقوب لمدينة أسوان مكانًا لمركزه المختص في علاج قلوب الأطفال في مصر لم يكن عشوائيًا، ومع تقدير حنينه إلى الماضي، ولتلك السنة في المدرسة الابتدائية التي أمضاها هناك، فإن اختيار أقصى مدينة في الجنوب يعني أن تذهب إلى أبعد نقطة عن مركزية القاهرة، وتكثيف الخدمات والجامعات والمستشفيات والترفيه والطموح والترقي والجدارة، لتضيء المدن الأخرى وتمنحها جاذبيتها الخاصة..

أما التخصص في قلوب الأطفال، فإن الرسالة واضحة، حيث يقول لنا العالم الجليل إنهم البداية دائمًا، ولتحمل قلوبهم الأمل، وإن العناية بها الطريق السليم لحياة أكثر صحة، ولحياة تستحق أن تعاش، وأن الأطفال معرضون أكثر من غيرهم لمضاعفات المشاكل في القلب، التي تهدد فرصهم في البقاء أو النمو السليم، فضلا عن مجانية العلاج للفقراء وأفراد الطبقة الوسطى وتبرع الجميع.

هذه فلسفة أسوان وقلوب الأطفال عند مجدي يعقوب كما أتصورها..

أكثر من ذلك، فإن عودته بعد سنوات الغربة والكفاح، والشهرة والمجد، لم تكن للاستثمار، مع تقديري لمن يعود لأي غرض وطني، إنما للخدمة الشاقة والعطاء ونفع أبناء بلده مما تعلمه وأبدع فيه، ومشاركة خبراته مع أطباء من الأجيال الجديدة، الأمر الذي جعل اسمه على كل لسان كعالم فريد في مجاله، ورائع في إنسانيته.

خريطة القلب في مصر ليست وردية؛ لأن أمراضه هي السبب الأول للوفاة في البلاد، وآخر تسجيل استطعت الوصول إليه، أن أمراض القلب كانت وراء 226 ألفًا وخمسمائة حالة وفاة في عام 2016 فقط، وأنه من بين 18 ألف طفل مصري يولدون سنويًا بأمراض قلبية خلقية، فإن خمسة آلاف طفل منهم لا تكتب لهم النجاة بسبب عدم توافر مرافق علاجية مناسبة، بينما تكابد الدولة وأسر المرضى بسبب كلفتها العالية.

ولكم تمنيت أن يكون في كل مدينة معهد قومي للقلب كالمعهد الذي تأسس في منتصف الستينيات في إمبابة في عهد عبدالناصر، لأن معهدًا قوميًا واحدًا في مصر لا يمكنه الرفق بملايين القلوب المريضة؛ مما ضاعف طوابير الانتظار، كما لا يتحمل القادمون من مختلف المحافظات، وربما يبيتون على الأرصفة أمام بواباته، وتبعًا لما هو متاح من أرقام، فإن معهد القلب القومي في إمبابة يتردد عليه ألف مريض يوميًا للعلاج على نفقة الدولة.

وقرأت عن معهد قلب في سوهاج، ولا أظنه بمستوى معهد إمبابة؛ لأنه في جائحة كورونا تم تخصيصه كمستشفى عزل، كما سمعت عن معهد جديد أو امتداد للمعهد القومي، مقام حديثًا في أرض مطار إمبابة.

لقد نجح مركز مجدي يعقوب والذي افتتحه في أسوان سنة 2008 بامتياز، وأجرى مئات عمليات القلب للأطفال مجانًا، وكذلك الكبار، ومن المؤكد أنه خفف الضغط على معهد القلب القومي بإمبابة.

وأذكر هنا أن المركز تم تسجيله كمؤسسة من قبل الدكتور مجدي يعقوب والدكتور أحمد زويل والسفير محمد شاكر.

وقد اختبرت أسلوب العلاج المجاني بالكامل مع أحد أقاربي، والذي فكر في البدء في إجراءات بيع سيارته ومجوهرات زوجته، لإجراء عملية في القلب، وبعد اتصالات مع مركز مجدي يعقوب في أسوان، دخل المستشفى، وأجرى العملية الناجحة، ولم يدفع جنيهًا واحدًا سوى تكاليف سفره إلى أسوان والعودة.

هذا السحر الذي يحفظ للأسرة المصرية مدخراتها الصغيرة، وقلوبها، وكرامتها، ويربت على كتف أبنائها، هو رمز للقوة المصرية عندما يتحد أصحاب الخير مع العلماء في ضفيرة واحدة.. هذا المركز الذي عالج أيضًا مرضى قلب من خارج مصر، في تجلٍ جديد للقوى الناعمة التي نملكها.

وفي السنوات الأخيرة لم يعد مركز أسوان قادرًا على تلبية احتياجات أصحاب القلوب العليلة في مصر.. لذلك قادنا الدكتور مجدي يعقوب إلى مكان جديد في العاصمة، وبالتحديد في مدينة 6 أكتوبر ليشيد صرحه العالمي..

وقبل عامين -وبالتحديد في شهر فبراير عام 2020- جمع الشيخ محمد بن راشد آل متكوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي نحو 8.17 مليون دولار أمريكي تبرعات خلال حفل تكريم "صنّاع الأمل" في دبي، (نحو 360 مليون جنيه مصري)، لصالح المستشفى الجديد في مدينة 6 أكتوبر.

وغرد بن راشد على "تويتر" إنه تم رصد ريع الحفل الختامي لمبادرة "صنّاع الأمل" لصالح مشروع بناء مستشفى مجدي يعقوب الخيري لعلاج أمراض القلب، والذي سيعمل على توفير العلاج المجاني وإجراء أكثر من 12 ألف عملية جراحية سنويًا لمرضى القلب في العالم العربي وتحديدًا الأطفال، الذين سيخصص المستشفى الجديد 70% من عملياته لهم دون مقابل.

وشهد الحفل تقديم مساهمات من عدد من رجال الأعمال والشركات في الإمارات لدعم إنشاء وتجهيز المستشفى، فيما أعلن الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، تقديم مساهمة لدعم المستشفى تساوي إجمالي مساهمات رواد الأمل من رجال الأعمال.

كانت حيثيات مبادرة "صنّاع الأمل" في اختيارها مستشفى مجدي يعقوب، باعتبارها المشروع الإنساني العربي لعام 2020، وأن دعم إنشائه: "خطوة تسهم في علاج ملايين القلوب المحتاجة إلى رعاية في الوطن العربي"، وذلك "لترسيخ ثقافة العمل الإنساني وتسليط الضوء على مشروع خيري عربي ذي قيمة إنسانية مشتركة".
" عن الأهرام"

التعليقات