وعن حق السعاية للرجل والأبوة الضائعة

دائمًا ما يفتح الدكتور سعد الدين الهلالى بكتاباته الأبواب الموصدة، ويحرك المياه الراكدة، ويجهر بالمسكوت عنه فى تاريخنا الإسلامى، وكتاباته شهادة شاهد من أهلها، تستوجب تحديد المواقف «عندهم» ولا خيار لهم فى ذلك، فهو دين واجب الأداء والرد، فإما الإباحة والإتاحة أو التحريم والمخالفة، إلا أن الأمر مختلف معنا، فالتجاهل والإعراض والقطيعة أمر قد قرره «هؤلاء» مسبقًا، فلا صد ولا وصل ولا رد، وأصبح الأمر عندنا دينًا فى حكم العدم، أو بضاعة أتلفها الهوى.

وقد كان لكتابه «حق السعاية - فى الوظيفة المنسية» الصادر عن المجلس القومى للمرأة، النصيب الأوفر للاستجابة عند كل مشايخنا الأفاضل، وتطوع الكثيرون للدفاع عن هذا الحق، وبدا الأمر مجاملة لهذا السيد المنتصر خلف الأبواب وكسب وده ورضاه «وإن جالك الغصب خده برضا» وكأن رواية حبيبة بنت زريق زوج عامر بن الحارث، وهى الأصل فى هذا الحكم لا علم لهم بها، وكيف اجتهد عمر بن الخطاب وأنصفها، مخالفًا فى ذلك نصًّا قطعى الدلالة والثبوت، ويعتبره الكثيرون من الفضائل المنسية، وكذلك فى نطاق وسلطة ولى الأمر واتساعها وفضلها، وهو اجتهاد مقبول ومحمود، كما يجب عليهم قبول اجتهادات كل ولاة الأمور، بما يحقق مصلحة الناس ومنافعهم، وسأعود معكم إلى هذا الأمر بعد المرور على كتابه (الأبوة الضائعة- وإعادتها بالبصمة الوراثية أو الإجهاض المبكر).

وعند هذا العنوان المذكور الخبر اليقين، وخلاصة هذا الكتاب الشيق أن بعض المشايخ والفقهاء قد تسببوا (من الناحية الشرعية وليست القانونية) فى إضاعة أبوة أطفال أبرياء لا ذنب لهم ولا جريرة، من لقاء الاستمتاع بين الطرفين، حيث ينكر الأب علاقته بالأم، حين انعدام العلاقة الزوجية المسبقة، ويتبرأ من فعلته، ويتهرب من أبوته، ويُنسب الطفل حسب رأى معظم الفقهاء فى هذه الحالة إلى الأم، استكثارًا عليه أن يُنسب إلى أبوين، حتى يحيا كريمًا عزيزًا كسائر الأطفال، ويستبيح الأب- خارج الزواج المعهود كالأم- أن يتنصل من تعهداته، ويتملص من الواجب، ويعفى نفسه من مسؤولية النسب والرعاية، وينسب الطفل إلى الأم فقط لتكون وحدها رحمًا ونسبًا، ولا عجب أن يكيل الفقهاء فى ذات الوقت بمكيالين للأبوين المنحرفين، فيبرأ الرجل من تبعات هذا الجرم وهذا الانحراف، وتتحملها المرأة بمفردها وحيدة ذليلة وطفلها معها دون ذنب منه أو خطيئة، والغريب أن هذا الأمر فى الجاهلية كان أكثر رحمة وعدلًا، وكانت المرأة بعد أن تضع حملها من هذه العلاقة خارج نطاق الزواج حتى «البغية» كانت تلحق الطفل بمن عاشرها إن كان واحدًا، أو اختارته وأشارت إليه من الرهط الذين عاشروها، وكان هذا جائزًا وملزمًا، وقد كان هذا شأن الجاهلية فى حماية حق الطفل، ولا يخلطون ويفرقون بين الانحراف السائد وبين حقوق الطفل فى النسب والأبوة والرعاية والتنشئة، فكيف بالفقهاء بعد الإسلام ينسبون الطفل إلى الأم دون الرجل ويبرأ من فعلته وتتحملها المرأة وحدها، والحل، كما جاء فى عنوان الكتاب، أن يقر الفقهاء «شرعًا» بما أقره العلم بإثبات هذا النسب بالطرق العلمية «البصمة الوراثية» أو إباحة الإجهاض المبكر حسب ما يقرره أهل الطب، وهى نظرة موضوعية نرجو أن يلتفت لها أصحابنا ويسارعوا لها كما سارعوا إلى حق الكد والسعاية.

"عن المصري اليوم"

التعليقات