أزمة العقل

إذا كان الفيلسوف المغربى «محمد عابد الجابري» قد انتقد العقل العربى فى بنيته وتكوينه الأخلاقى والقبائلى المنتمى إلى فكر القبيلة والتعصب والتمسك بالتراث والماضى ونبذ التغير السريع لطبيعة المنطقة ولتوالى الأديان السماوية على هذه البقعة من الأرض والبشر فإن أزمة العقل الجمعى التى تحدث عنها وأسس لها العالم النفسى الشهير «كارل يونج» تتضمن قواسم مشتركة بين البشر نشأت منذ الخليقة الأولى حيث جميعنا نخاف من الظلام والأماكن المغلقة مثل إنسان الكهف فى البدايات البشرية، وهكذا فنحن مجرد مخلوقات لدينا عقول قاصرة على الإدراك الكلى للوجود والكون وماهية الخالق وكيفية الخلق وجميعها أسئلة تراود الأطفال والكبار، ولكن ما يدفعنا لبعض الطمأنينة أن نبدأ رحلة الإيمان بوجود قوى عظمى لا نعرفها ولم نرها ولم نفهمها، ولكننا نحتاج إلى هذا الإيمان وإلى هذا الوجود الإلهى لتستمر بنا الحياة وهو معنى الإيمان بالغيب والغيبيات حتى فى الأديان التى لا تعبد الله، بتلك الأديان غير السماوية نجد عالمًا كبيرًا ولكنه يعبد بقرة أو جبلًا أو شمسًا أو ما دون ذلك، المعنى هنا الحاجة إلى التمسك ببعض من المجهول الذى لن يدركه عقل بشرى ناقص مهما اكتمل.

وما يجرى على ساحة الإعلام والمجتمع المصرى يلعب على أوتار الفراغ الثقافى والتعليمى وغياب الحراك البشرى على المستوى الفنى الحقيقى وعلى مستوى الإبداع الجاد وإن كانت هناك بعض المحاولات إلا أن الأساس مازال خاويًا، ويأتى الإعلام ببعض من يدعون الثقافة والعلم والابحار فى الفكر فيخرجون علينا من خلال الشاشات الملاكى مثل الدكان الخاص ويفرضون على المشاهد والمتابع آراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم، البعض بالصراخ والبعض بالإقناع المزيف والبعض بالاستناد إلى ضيوفهم المعروفين بنفس وذات التوجه، وتبدأ حالة من الصراع العقائدى بكل أسف وليس الصراع الفكرى لأن الأديان عقيدة وعبادات وأحكام.. قد نتناقش فى الأحكام وفى العبادات أما العقيدة فهى بين المرء وقلبه وربه.. ما جدوى التناحر بالأدلة وبالتصريحات عن «الإسراء والمعراج» وهل هذه العركة سوف تؤدى إلى تطوير المجتمع وإصلاح السلوك وعدم السرقة والقتل والرشوة والفساد؟ وهل إذا ثبت أو لم يثبت صحة طرف دون الآخر سيكف الرجال عن الخيانة وعن ضرب الزوجات أو النساء أو الأطفال ؟ وهل إذا كان الأمر لصالح فريق العلمانيين الجدد فى مقابل أهل الذكر وعلماء الدين سوف يتحسن الاقتصاد المصرى وتوقف الحكومة المبجلة سلسلة الضغط المستمر على المواطن المصرى من رفع للأسعار وللطاقة والمياه والمواصلات حتى أصبح المواطن فى حالة إنهاك وضعف لا يقدر على أى تعبير أو تغيير وهذا هو المطلوب.

تجديد الخطاب الدينى لا يمس العقيدة ولا الإيمان ولكن يتحرك فى دائرة الأحكام والعبادات التى قد تتغير وتعطل أو تنفذ أو تتحور لتناسب الظرف الإجتماعى والحراك الفكرى والثقافى يكون من أجل البناء والإصلاح وليس عملية استعراض للقوة وإلهاء للناس.. أزمة العقل أزمة تضرب أوصال الحياة والمجتمع وتمس فكره وسلوكه وعقيدته وهذا هو الخطر ومربط الفرس.

"عن الوفد"

التعليقات