اتكلم عربي


حتى وقت قريب لم يكن الشباب بهذا المستوى من الاغتراب اللغوي، والخواء الثقافي والاضمحلال الفكري، صحيح أن الأمر لم يحدث بين ليلة وضحاها، لكن وتيرة الهبوط والتدني تسارعت خلال العقدين المنصرمين بصورة مفزعة، تنذر بخطر حقيقي يهدد هوية أبنائنا وثقافتهم وانتمائهم.
لقد تمادينا في الاهتمام بواقع اللغات الأجنبية في التعليم، حتى قمعنا وازدرينا لغتنا العربية التي أصبحت تعاني من الغربة والاغتراب، وأضحي الشباب يتخاطبون بألسن معوّجة تمتزج فيها اللغات بشكل تعسفي فاقد للهوية والانتماء، ويتعاملون بلغة مهجنة لا تخضع لأي أبجديات، وإنما خليط من الحروف اللاتينية الناطقة بالعربية، أما القراءة والكتابة باللغة العربية التي تشكل قدراتهم اللغوية والفكرية والثقافية، فحدث ولا حرج!! ولا أتحدث هنا عن أخطاء النحو والإعراب، ولكن عن خطايا إملائية ومفردات وتعبيرات كارثية!!
جميل أن ننفتح على لغات وثقافات العالم، ونتقن التحدث باللغات الأجنبية، لكن هذا لا يعني أبداً طمس لغتنا وهويتنا وثقافتنا العربية، وأمر عظيم أن تولي الدولة اهتماماً كبيراً بتعلم أبنائنا في الخارج لغتهم العربية، وتطلق وزيرة الهجرة المبدعة السفيرة نبيلة مكرم مبادرة "اتكلم عربي" بهدف ربط النشء المصريين المقيمين في الخارج بهويتهم وجذورهم وثقافتهم العربية، لكن الاغتراب الداخلي أكبر خطراً، وأطفالنا وشبابنا داخل الوطن في احتياج شديد وعاجل إلى عشرات المبادرات المماثلة لمبادرة السفيرة نبيلة مكرم التي وهبها الله نصيباً من اسمها. 
إن بلدان وشعوب العالم تحافظ على لغتها مثلما يحافظون على ثرواتهم وممتلكاتهم، ويصل اعتزازهم بلغتهم الأم إلى حد التعصب باعتبارها جزءاً من هويتهم القومية، لذا علينا أن نولي كارثة انهيار اللغة العربية اهتماماً كبيراً، ونعطي لتلك القضية الأولوية باعتبارها قضية قومية، تتعلق بالهوية والثقافة والانتماء، قبل أن يأتي اليوم الذي يصبح فيه القابض على لغته وثقافته العربية، كالقابض على الجمر!!

التعليقات