فلسفة الجمال.. وفن القبح!

أجريت أول حوار في حياتي الصحفية مع د.أميرة حلمي مطر، أستاذ علم الجمال بجامعة القاهرة، بمناسبة حصولها على جائزة الدولة التشجيعية عن كتابها "فلسفة الجمال"، وأعترف أنني آنذاك لم أكن أدرك أن للجمال علما يدرس الخيال، مقابل دراسة المنطق العقلي في العلوم، وأن ذلك العلم الذي أطلق عليه الفلاسفة الأوروبيون كلمة " "Aestheticsيعني بشعور الإنسان بالجمال وتذوقه وإبداعه في الفنون المختلفة، وهو يعد أصغر أبناء الفلسفة، لأنه لم يستقل عن المعرفة والأخلاق إلا في العصر الحديث.
ولأن غاية الفن تحقيق سلامة النفس، يغلب على الفنان الميل إلى إبداع كل ما هو جميل، فالعمل الفني ليس فقط لغة تخاطب أفكار الناس، وإنما تخاطب أيضاً خيالهم ومشاعرهم، وقد انشغل النقاد والفلاسفة بتفسير علاقة الفن بالطبيعة، وهل حقا الفن مرآة للواقع؟! وتوصلوا إلى أن المحاكاة الحرفية لا تخلق فناً، لأن الفن عالم قائم بذاته وله قوانينه الخاصة، عالم بديل لعالم الواقع يخلقه الفنان المبدع، بعد أن يكتسب القدرة والوسيلة التي تُمكنه من إبداع هذا العالم، صحيح أن هناك محاكاة في الفن لكن المحاكاة وحدها لا تخلق فناً، ولو كان الفنان مجرد ناقل أو محاك لكان الواقع أفضل، لأن الأصل دائماً أفضل من الصورة، فالفن يخلق إبداعاً أشد جمالاً وتأثيراً في النفوس من موجودات العالم الواقعي، والطبيعة في حد ذاتها ليست جميلة ولا قبيحة، لكنها تتحول بالتعبير الفني إلى عمل جميل يتذوقه الإنسان.
والفن يرينا الإنسان والأشياء والحياة بصورة أكثر وأشد تأثيراً مما نراه في الواقع المحيط بنا، لأن الأعمال الفنية تدفعنا إلى تذوق الجمال الطبيعي، والإحساس بالحياة الإنسانية، بل إن كثيراً من الانفعالات الموجودة بداخل نفوسنا، قد لا نلتفت إليها إلا حين تفجرها الأعمال الفنية، ولو لم يتغنّ الشعراء بالحب والوطنية والكرامة، ما انتبهنا لحقيقة مشاعرنا بهذه الانفعالات، وربما توجد في باطن شعور الإنسان انفعالات أخرى لا يدرك طبيعتها أو حقيقتها، ولكن حينما يجسدها الفن يمكننا أن نتعرف على طبيعتها داخل أنفسنا، لذا فالفن يجعل مشاعرنا أكثر نضجاً، وفهمنا لذواتنا أبلغ عمقاً، ويسمو بالروح والوجدان إلى مصاف التعبير الجمالي..
للحديث بقية

"عن أخبار اليوم"

التعليقات