إنتِ نسيتى تلبسى بنطلونك يا شابة؟

لأ يا سيدتى، لم تنس «حبيبة»، فتاة جامعة طنطا، بنطلونها فى البيت أو على حبل الغسيل، ولعلمك هذا الفستان الذى ترتديه رمز الشياكة والأناقة التى تجهلينها، ومعترف به رداء عالميا مسموحا به فى الأماكن العامة، وتكتسى به الوزيرات وأساتذة الجامعات والفنانات وعلية القوم، فإياك أن تتوهمى أنك على رأس جماعة المطوعين، دون لحية، للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومطاردة النساء بالعصا وضربهن على مؤخرتهن، لقد ولى هذا الزمن ومات. ليس من مهامك مراقبة لبس البنات أو رصد زينتهن، وليس من حقك أو من حق غيرك سؤالها عن ديانتها مسيحية كانت أو مسلمة، هذه جريمة تعاقب عليها قوانين العالم المتحضر، وليس عليك تقديم النصيحة عن ملابسها، سواء كانت محتشمة أو خليعة، أو كان مكياجها صارخا أو فاضحا أو مستورا، فهى ليست من بقية أهلك، وليس لديك توكيل من ولى أمرها بتقويم تربيتها ومطاردتها خارج البيت إن كانت ناقصة الرباية! إن من حقك تربية أولادك فقط، لا تتجاوزينها أو تتخطين حدودها، وأرجو أن تكونى قادرة على هذا، وقديما قال الأجداد: «فلح إن ربى ولده أولا حتى يربى غيرهم»، مهمتك مراقبة سير ومجرى الامتحانات، وتهيئة الجو العام الصحى للطلبة فى تأدية الامتحانات فى يسر وسهولة، ومنع الغش بين الطلبة وفقا للقانون، دون التعدى بالقول أو الفعل.

يا سيدتى المراقبة، الذنب ليس ذنبك بمفردك، والجريمة ليست معلقة فى رقبتك انت وحدك، أو من يطارد البنات فى الشوارع تحت دعاوى العفة والاحتشام، وتغيير المنكر باليد لصلاح حال المجتمع والدين، كما زعم هؤلاء الجهلاء، بل الجريمة والذنب معلق فى رقبة هؤلاء المشايخ الساقطين علينا عبر شاشات التليفزيون والمنابر يحرمون على هواهم، ويتهمون الناس بالباطل، ويكيلون التهم لأولياء الأمور «بالدياثة» أو فاقدى الرجولة والغيرة حين يتركوا بناتهم دون حجاب، وحرموك انت ومن معك من متعة الصفوة والصبا والشباب، وحبسوك تحت الحجاب والخمار، ومنعوك من متع الحياة والاستمتاع بمباهجها، فكان الحرمان دافعا للثورة على كل من كان لها نصيب مما أمسكوه عنك وحظروه عليك .

ما هذا الهوس الذى أصابنا؟ وهذه البجاحة التى تجاوزت حدود المنطق والمعقول؟ كيف استطاع شيخ المنصر أن يقنع العامة بأنه النزيه الأمين؟ وكيف قبل الناس الوصاية والسيطرة من الجهلاء على عقولهم، يتقدمون الصفوف ويدفعون ويزيحون العلم والفكر والعلماء حتى أصبحوا النموذج والقدوة والمثل والهدف والمرتجى؟ كيف تجرأ هؤلاء المعتدون والبلطجية على ضرب النساء والبنات جهارا نهارا يوميا فى الشوارع ووسط الرجال دون اعتراض أو رفض من بعضهم، منها من كان فى مول تجارى، وفى الفيوم بسبب خلع الحجاب، وسحل فتاة فى المعادى، والتحرش بفتاة المنصورة ثم أخيرا من أيام معدودة الاعتداء على طالبة العمرانية وهى فى طريقها إلى منزلها عائدة من الدرس حين رفضت تحرش أحد البلطجية بها، ولو كانت العقوبة رادعة وفورية على من كان فى أول الصفوف ما تجرأ الثانى ثم الثالث، وما خرج عن صف الالتزام والانضباط متحرش أو معتد واحد.

هذه إحدى عجائب الدولة الدينية وأسس قيامها الرئيسية، حين سهلوا وصرحوا ورخّصوا بهذا الفعل الرخيص، فقد أباحوا من قبل نهب أموال الناس بالباطل تحت راية الفتوحات والغزوات، وسبى النساء ومضاجعتهن دون رضا تحت عنوان «أحقية المسلم فى الاستمتاع بالأسيرات لإذلالهن»، وسرقة حقوق غير المسلمين لتمويل الجهاد تحت باب «الفىء»، وجهاد النكاح للترفيه عن المجاهدين، فإذا كانت حقوق الناس مباحة، فلا عجب أن يصبح التحرش بالنساء فى الشوارع مسموحا وليس مستهجنا، وملاحقتهن وملامستهن أصبحت مشروعة وليست محظورة، وأصبح الاعتداء بالضرب على البنات مستباحا وليس خسة أو سفالة.

فهذا أحد كبرائهم يعلن على الملأ «أن المرأة فى تبرجها إلحاح منها فى عرض نفسها على الرجل، وتلفت نظره لها، وهن يعرضن أنفسهن عرضاً مهيجاً مستميلاً ملفتاً»، فقد أعطى الشيخ للمتحرش الحق فى التحرش لا يتنازل عنه، ولا يحاسب على فعله، فكيف تعرض البضاعة على المشترى دون مقابل ويرفضها ولا يقبلها؟ وكيف لا يقبل عليها يتفحصها ويتفعصها، كما كان يتفعص أجداده الجوارى فى سوق النخاسة؟ كم من جريمة تحرش ارتكبت تحت هذا العنوان حتى الآن؟ وهذا شيخ يعلن «أن المرأة السافرة قد سحبت رخصة العفة من نفسها وأسقطت رخصة الحماية عنها»، وعلى الوحوش الكاسرة سحب ملابسها فى الشوارع وتعريتها وفحصها، فقد أصبحت مستباحة ومباحة ومحللة للجميع، وأسوارها وأبوابها وقلاعها مفتوحة للغزاة.

وهذا شيخ أزهرى يدعى «مجانص» يحرض على التحرش، ويخاطب غرائز الشباب، ويعاتب كل من يرى من الشباب سافرة تهيج ذكورته ويتركها، وغير هؤلاء الكثير. قد آن أوان محاسبتهم جميعا، جنبا إلى جنب فى قفص واحد مع كل هذه النماذج السيئة المنتشرة دون خجل أو مروءة فى شوارعنا، (حبيبة انت ومثيلاتك من البنات جميلات فى الفستان). «الدولة المدنية هى الحل».

التعليقات