فريضة التفكير في أركان الإسلام

فى حوار مع الحالمين بالغد حول كتاب الأستاذ العقاد «التفكير فريضة إسلامية»، قلت لهم: يحاول الأستاذ فى هذا الكتاب الإجابة عن سؤالين غاية فى الأهمية: هل يتفق الفكر والدين؟، وهل يستطيع الإنسان العصرى أن يقيم عقيدته الإسلامية على أساس من التفكير؟.. يجيب العقاد بنعم؛ فيذكر آيات القرآن الداعية للتفكُّر، التى عظَّمت شأن العقل وسيلة التفكر؛ ويُنوِّه بأن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا بالتعظيم، ويدعو للرجوع إليه، بل يصل إلى نتيجة مفادها: أن التفكير وإعمال العقل فريضة إسلامية، وكيف لا وهو دين يخلو من الكهانة والوساطة بين العبد وربه، حيث يتجه الخطاب القرآنى إلى الإنسان الحر العاقل ليحثه على أن يتفكر فى آيات الله بالكون ونفسه؛ ليدرك حقيقة وجوده!.

ابتسم واحد من الشباب وقال: أخذا بمنطق الأستاذ وإيمانًا بفريضة استخدام العقل والتفكير، فقد شجعتنى لأسألك عن أركان الإسلام الخمسة، ومن أين أتت، لأننى لم أجد لها ذكرًا فى القرآن الكريم؟.

السؤال هو: لماذا لم ترد أركان الإسلام واضحة منصوصًا عليها فى القرآن الكريم، على الرغم من كونها أركانًا أساسية للدين كما تعلمنا منذ الصغر؟!

وأضافت زميلته المثقفة قائلة: لقد وَرد فى لسان العرب، أن رُكن الشىء هو جانبه الأقوى.

وإذا كان القرآن الكريم يتألف من ستة آلاف ومئتى آية، أفلا تستحق أركان الإسلام عرضها أو تخصيص آية واحدة لها أو أكثر من آى القرآن الكريم؟!.

قلت: قد يكون الله بحكمته قد ترك لنا أن نستخلص أركان الإسلام بتوسع من فهمنا ونضوج من معرفتنا، قاصدا حقيقة ندركها أن الإسلام صالح لكل زمن!.

لقد جاءت تسمية أركان الإسلام الخمسة استنادًا إلى حديث شهير منسوب إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عن طريق ابن عمر (بُنِيَ الإسلام عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) أخرجه البُخاريُّ، وكذلك مُسلِمٌ.

قالت الشابة المثقفة: لكن بالمقابل، يوجد عشرات الأحاديث المنسوبة إليه، عليه الصلاة والسلام، ومنسوبة لنفس المراجع التى لا تذكر الأركان الخمسة كاملة وتكتفى باثنين أو ثلاثة أو أربعة منها فقط.

كذلك يعتقد عموم المسلمين الشيعة بأركان الإسلام الخمسة، لكنّ الشيعة يُضيفون إليها ركن الولاية كأساسٍ لا بُدّ منه لصحة الدين!.

فى قول منسوب عن أبى جعفر فى كتاب الكافى: «بُنى الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادَ بشىء كما نودى بالولاية، فأخذ الناس بأربع، وتركوا هذه». يعنى الولاية.

قلت: لابد أنه يتضح لكم الجانب السياسى الذى يوحى إليه هذا الاختيار.

وأضفت: كذلك ترد صيغة أخرى عن أركان ثلاثة للإسلام فى كتاب (الكافى)، صيغة تُسقط الحج والصيام من أركان الإسلام:

وعن الصادق قال: الإسلام ثلاثة: «الصلاة والزكاة والولاية، لا تصح واحدة منهن إلا بصاحبتيها».

وعند المسلمين الشيعة الإسماعيلية، فالدين يقوم على سبعة أركان، أو ما يُسمى الأعمدة السبعة، التى هى: الولاية - الطهارة - الصلاة - الزكاة - الصيام - الحج - الجهاد. نستنتج من ذلك أن إشكالية تحديد عدد أركان الإسلام، وتحديد ماهية هذه الأركان هو إشكالية سنية وشيعية أيضًا، ولا تقتصر فقط على مذهب بعينه.

ولقد اتفق المعتزلة، مثلا، على أصول خمسة للإسلام هى: «التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». وقد عمد القاضى عبدالجبار، وهو أحد أعلام المعتزلة، فى كتابه (المغنى) إلى اعتماد أصلَين هما: العدل والتوحيد، حيث أدخل ما عداهما فيهما.

وحتى أركان الإسلام الخمسة الواردة فى الحديث المروى عن ابن عمر فيها ركنان، هما الحج والصيام غير مؤكدين عند بعض المفسرين.

فالحج لمن استطاع إليه سبيلا، أى أن فيه اختيارا حسب الإمكانية. والصوم كذلك، حيث يفسر البعض آيات الصيام بأن «على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين».. إن فى الصيام اختيارا طالما أطعم مسكينًا فى مقابل عدم الصوم.

وبالمنطق والعقل، فإننى أرى الصلاة على أهميتها هدفها الإنسان وليس الله عز وجل. الله لا يحتاج صلاتنا بل نحن الذين نحتاج الصلة به. قمنا بها بأى شكل من الأشكال فى كل الأديان، فهى لحظات تركيز فى الله عز وجل وتبعدنا عن الماديات وتثرى أرواحنا.

وأضفت: يتّضح يا شباب مما سبق أنّ ما يُوصف بأركان الإسلام الخمسة هو اجتهاد فقهى تم اعتماده من ضمن عدة آراء واجتهادات، لها ما يبررها فى نصوص القرآن الكريم.

- الآن يأتى الاجتهاد والتطوير والنظر لكل الإنسانية وما تطورت إليه. فما الذى يمنع وجود صياغات أخرى لأركان الإسلام تلتزم بأولويات الحياة الحديثة؟.. لماذا لا نبحث عن المشتركات الإنسانية ونلاقى كل البشرية فيما اتفقت عليه وينادى به ديننا فى نفس الوقت؟.

المطلوب هو فهمٌ جديد يحررنا من قصور مزمن نعيشه، وعطالة حضارية ألِفناها. ما الذى يمنع تأسيس الفهم الإسلامى على أركان وأسس ومعايير إضافية تناسب حال العصر وطموح الإنسان وهى موجودة فى أصل وكلمات القرآن الكريم؟!.

يوجد مئات النصوص القرآنية تتوافق مع أولويات الحياة والعدل والحرية ومعايير حقوق الإنسان ومكارم الأخلاق وتذوّق الجمال.

وجاء فى حديث منسوب لسيدنا محمد: «إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق».

وبنصّ القرآن الكريم نفسه: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (55) الزمر.

إذن اختيار الأنسب بدلالة مصالح الناس واجب وخير.

- لماذا لا تكون أولوية الحياة من أركان الإسلام، وقد جاء فى نص القرآن: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فساد فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا الناس جميعا} (32) المائدة؟!.

- لماذا لا يكون العدل من أركان الإسلام، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) المائدة؟!.

ونلاحظ صيغة الأمر الإلهى فى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (90).

- لماذا لا تكون الحرية بما يشمل حرية الاعتقاد وصولًا لحرية اختيار الإسلام دينًا أو أى دين آخر أو حتى لا دين حق للإنسان، وحسابه عند ربه؟!.

- إنّ إكراه الإنسان على الإيمان بعقيدة مخصوصة جاء فى مقام الذمّ قرآنيًا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (99) يونس.

- إذن بالمنطق والعقل، أركان الإسلام ليست شعائر أو جملًا وبعض الأفعال التى اختارها الفقهاء فقط، بل إننا نستطيع أن نضيف إليها من قلب القرآن ما يتوافق مع صحيح الدين ويتفق مع البشرية وما تطورت إليه.. فلا ننقص من الإسلام شيئا مما فهمه السابقون ونضيف إليه ما يوحد البشرية وكل الأديان فى مضمون متفق عليه وموجود لدينا فى القرآن بوضوح.

أركان الإسلام الخمسة لها منزلتها فى العقل والمنطق والفقه والشريعة.. ومن باب الغيرة على الصورة الحقيقة للإسلام والتى يتم طمسها وتشويهها، ما المانع من أن نضيف لهذه الأركان ما يعزز مكانتها ويزيح عنها غبار الجهل المتعمد بمكنوناتها. فلماذا لا نضيف من الأركان ما ذكره القرآن مرارًا وتكرارا من أهمية هذه القيم مثل:

الحرية فى الاختيار

العدل بالقسطاس

والصدق

والمساواة

وفعل الخير

والرحمة والمغفرة؟!.

ألا يجعل ذلك رؤية الإسلام فى عالم اليوم أفضل وعن حق، بدلًا من إلصاق القتل والسبى والعدوان والإرهاب به؟!.. وأضيف أن الإحصاءات العددية فى القرآن الكريم تؤيد وجهة نظرى، فإن العدل قد ذكر ٢٨ مرة، والصدق ١٥٣ مرة، والحياة ١٤٥ مرة، والجزاء ومشتقاته ١١٧، والمغفرة ومشتقاتها ٢٣٤، كذلك فقد نبذ الله الظلم ٢٠٠ مرة فى قرآنه الكريم.

هذه رؤيتى، ليس حذفًا من الأركان المعروفة، بل إضافة إليها عن منطق وحق ومرجعية قرآنية.

التعليقات