الدراما وإعلانات الأقلية العظمى!! (2)

تلقيتُ تساؤلات مشروعة وتعليقات من القراء، تعقيباً على مقالي السابق" إعلانات بالملابس الداخلية" تقول: هل البنك الأهلي وبنك مصر في حاجة إلى إعلانات بالملايين تُطل علينا ليل نهار لجذب العملاء؟! وهل البريد المصري أعرق الهيئات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وأكثرها تعاملاً مع المصريين منذ عام 1865، يحتاج إلى فنان سوبر ستار للترويج والتعريف بخدماته، أم أنه بيزنس متشابك المصالح؟!
لقد وصلت الأمور يا سادة إلى أن ينفق رجال الأعمال المليارات على إعلانات، تُظهر" رفاهية الكلاب" واستمتاعهم بالحياة داخل منتجعاتهم الفاخرة، دون أن يستحوا من تأثير ذلك على الطبقات الكادحة، إلى هذا الحد وصل الاستفزاز وانعدام الإنسانية والاستهتار بمشاعر البشر، ليس هذا فحسب بل أصبحت بلدنا الدولة الوحيدة في العالم التي تُبدّد 2 مليار جنيه على الإعلانات التليفزيونية في شهر واحد، وتنفق 3 مليارات جنيه على إنتاج مسلسلات منزوعة الفكر والقيمة والرسالة، وفي الفواصل يطالبون الشعب بالتبرع للفقراء والمرضي ولو بجنيه!!
إن من يتابع الإعلانات يظن أننا أصبحنا أغنى شعوب العالم وأكثرها رفاهية وثراء، نعيش داخل منتجعات سكنية فاخرة بعشرات الملايين، نستمتع بالإجازات بأروع وأغلى الشواطئ، وحينما يشاهدون المسلسلات يشعرون أننا نعيش في مستنقع من السوقية والدموية والإدمان، وفي دولة يحكمها قانون القتل والدم والابتزاز، وينخر في عظامها الانحلال الأخلاقي والخيانات الزوجية والأمراض النفسية، دولة تتسيدها لغة السلاح والعصابات والبلطجة!!
ما هذا التوحش والسفه والاستفزاز الذي جعل الإعلام يتوارى وينزوي، ليتصدر الإعلان المشهد بوجهه القبيح المستفز؟! ليس لفقراء الوطن فحسب، وإنما للطبقة المتوسطة الكادحة، التي نشأت على أن القانون والتربية والتعليم والدين هي الأسس التي تحكم المجتمع، الطبقة العريضة التي لا تعيش في فيلات فاخرة بعشرات الملايين، ولا تمتلك سيارات" ليمتد إيديشن"، وإنما تعيش في بيوت طيبة، وتمتلك الرضا وغنى النفس، تلك الشريحة التي لم تكن تعرف" السرسجية" ولا المطاوي والسنج والجنازير، ولم تشاهد" الديلرز" على النواصي يبيعون المخدرات، إلا حينما ظهروا في الأفلام والمسلسلات، ولم تستمع للغة البذيئة التي يتحدثون بها في الأفلام، وكأنها جزء من قاموس لغتنا الجميلة!! إن أفراد هذه الطبقة ليسوا ملائكة ولكن ليس لديهم علاقات غير شرعية بالجملة، ولا فيديوهات فضائح يهددون ويساومون بها بعضهم، لم يعرفوا تلك الحالات الشاذة، ولم تتفتح عيون أبنائهم عليها، إلا حينما التقطتها الكاميرات وركزت عليها، وقسمت مصر إلى مجتمع فاحش الثراء معدوم الأخلاق والمبادئ، وآخر مدقع الفقر تسوده الدموية والبلطجة!!

التعليقات