التوثيق العقاري.. رحلة الكعب الداير!! ..

لا يخفي علي أحد حجم المعاناة، والمشقة التي يتكبّدها المواطن في التعامل مع مكاتب توثيق الشهر العقاري، وكل من فرضت عليه الظروف التعامل مع أحد تلك المكاتب، يُدرك مدي الإحباط والمذلة التي يكابدها، ورحلة "الكعب الداير" المريرة التي يخوضها للحصول على الأوراق والموافقات من جهات عديدة، وما تفرضه كل منها من رسوم قانونية وغير قانونية!!
كما يعلم تماماً أنه أصبح صيداً ثميناً وقع في شباك الصيادين، وعليه أن يختار بين طريقين أحلاهما مر!! إما الاستسلام لجشع محامين يتفاوضون باسم "أصحاب الهمم" داخل دهاليز جهات نرزح تحت وطأتها، مقابل الحصول علي عشرات الآلاف من الجنيهات، ويا سواد ليلك لو وقعت في محامٍ فاقد الضمير المهني، تقضي عمرك تنتظر الفرج من عند الله، وإذا قررت أن تتولي الأمر بنفسك، وترضخ لأوامر وطلبات "الباشا" موظف الشهر العقاري التي لا تُعد ولا تُحصى!! وتقف أمام بوابة الحارس "رضوان" تنظر بحسرة لأطنان الملفات الورقية المكدسة علي الأرفف، وترقب بآسي عملية البحث المضنية عن ملفك، ستقف أمام المدير لينظر لك بكل قرف، ويملي عليك الأوراق التي عليك إعادة استخراجها، ولا تسألني عزيزي القارئ لماذا؟! فقد أثبتت الهيئة الموقرة أن الأوراق مثل الطعام، لها تاريخ صلاحية، وتفسد بعد بقائها داخل ثلاجة الشهر العقاري!! وعليك أن ترضخ صاغراً لرحلة غير مأمونة العواقب مرة أخري!!
خضتُ تلك الرحلة "الكابوسية" بنفسي، بعد سنوات من انتظار محامٍ أوقعني فيه حظي العاثر، فالأمر لا يحتاج لمحاكم ومذكرات قانونية ومرافعات، وملاك العقار سددوا ضرائبهم، وازداد يقيني بتأكيد رئيس هيئة الشهر العقاري علي سلامة الأوراق، وأن الأمر لن يستغرق أكثر من شهر، دهشتُ حين أخبرني بأن 10% فقط من ثروة مصر العقارية موثّقة، وأن هناك قانوناً جديداً للتيسير وتشجيع المواطنين علي توثيق أملاكهم، وذهبتُ إلي مكتب الشهر العقاري يحدوني الأمل والتفاؤل، لكن الرحلة انتهت بالفشل، وأدركتُ يومها لماذا يعزف المواطنون عن توثيق ثروتهم العقارية؟!
والسؤال: أين التشجيع الذي يزعمه أصحاب القانون الجديد في قانون يجترئ علي الأحكام القضائية، ويُلزم المواطنين بسداد إتاوات لصالح نقابة المحامين، ويجبرهم علي مطاردة أصحاب العقارات لتسديد ضرائبهم؟ أين التحفيز في قانون مُجحف يهدد الشعب بقطع المياه والكهرباء والغاز، في ظل إجراءات إدارية عقيمة تجعل المواطن يلجأ للأبواب الخلفية؟ أين التيسير في قانون يعوق الاستثمار ويهدر المليارات علي خزانة الدولة، بسبب قانون عمره 75 عاماً، ومكاتب تفتقر للتحديث والتطوير إلكترونياً وبشرياً، وبعد ذلك يستنكر وزير العدل عزوف الناس عن توثيق عقاراتهم، ويصفه بوضع شاذ ولا يصح!!

عن(اخبار اليوم)

التعليقات