«التعليم الإلزامى»

منذ الصغر وأنا أسمع و أقرأ عبارة التعليم الإلزامى، ولم أكن أعرف أو أدرك معنى هذه العبارة، ولكن مع الوقت أدركت أنها تعنى المرحلة «الأولية» أو «الإبتدائية» التى تؤهل التلاميذ للمرحلة «الإعدادية» و«الثانوية» وما يعرف بالتعليم ما قبل الجامعى، وتلك العبارة واللفظة عن الإلزامى تعنى أنه واجب ولازم للجميع من أجل نهضة مجتمع وأمة فى طريقها إلى الاستقلال وإلى النهضة العلمية والفكرية والحضارية التى جاءت مع عصر «محمد على باشا» الوالى التركى الذى استقل بدولته عن الخلافة «العثمانية» وأسس دولته «العلوية» وأبنائه الذين أصاب منهم من أصاب وأخطأ منهم من أخطأ فى حق هذا البلد والشعب، إلى أن جاءت ثورة «يوليو 1952» وقرر «عبد الناصر» بناءً على دعوة أديب الأدب العربى «طه حسين» وزير المعارف آنذاك أن التعليم كالماء والهواء حق لكل مصرى ومصرية دون قيد مالى أو شرط عائلى.

وإذا كانت مجانية التعليم حقًا دستوريًا إلا أنها مع مرور الزمن وتتابع السياسات والوزراء والانفتاح والعولمة أصبحت أكذوبة كبرى نخدع بها أنفسنا لأن التعليم لم يعد مجانيًا خاصةً فى المرحلة ما قبل الجامعى والتى تحوى أكثر من «23 مليون» تلميذ ما بين تعليم «عام» و«فني» وهؤلاء جميعًا يسعون إلى الالتحاق بالجامعة أو المعاهد العليا، ولذا فإنهم يلجأون إلى الدروس والسنتر والمجموعات والكتب الخارجية بالرغم من أننا نقول إن التعليم مجانى. وجاء السيد الدكتور «طارق شوقي» وزيرًا للتربية والتعليم واستطاع أن يحول التعليم المجانى إلى تعليم بمصروفات بداية من ثمن الكتب الدراسية فى جميع المراحل التعليمية وكذلك مشروع التابلت والتأمين الذى يدفع نظير هذه الآلة الإلكترونية وبالقطع أسعار باقات الإنترنت والتى قد تصل إلى أكثر من «300ج» إلى «400ج» للطالب الواحد وهو يستخدم المنصات الإلكترونية، وفى المدارس الحكومية والتجريبية والخاصة تم التنبيه و التوجيه لجميع المعلمين أن يكون تواجد الطلاب فى يومى الدراسة لمجرد طرح الأسئلة والأنشطة أما الشرح والتعليم ليس مكانه قاعات الفصول والسبورة والطباشير والتفاعل مع المدرس والمدرسة وإنما مكانه فى المجموعة المدفوعة الثمن لكل مادة بواقع من «30ج» إلى «40ج» للمادة والحصة الواحدة وهو ما يعنى أن التلميذ لو أراد أن يتعلم «عربي» و«حساب» و«علوم» و «مواد إجتماعية» فى إبتدائى وطبعًا «لغة إنجليزية» فهذا يعنى بحسبة بسيطة «150 ج» فى الأسبوع لهذه المواد بواقع حصة واحدة فقط وليس جدولًا تعليميًّا ودراسيًّا...

والبشرى السارة التى أعلنها السيد الوزير أن التلميذ بعد أن دفع «450ج» مصروفات كتب المرحلة «الإبتدائية» ودفع كل أسبوع «150ج» ثمنًا لمجموعة الدروس فهو لديه فرصة ذهبية عبر شاشات التليفزيون لمتابعة دروسه وأيضًا منصات إليكترونية متعددة للتعلم، ولنا أن نتخيل أسرة «بواب العمارة» وهو لديه أربعة أبناء فى مراحل تعليمية متعددة ويريد أن يخرج بأولاده من عنق زجاجة الجهل والفقر إلى رحاب العلم والتعلم والمعرفة ليتسلق بهم السلم الاجتماعى ويمنحهم فرصة الارتقاء بالذات وبالأسرة وبالمجتمع، هذا البواب ليس لديه تلك الأموال فى المدرسة الحكومية نظير ثمن الكتب لأربعة من الأبناء وليس لديه ثمن «600ج» أسبوعيًا للمجموعات وليس لديه ثمن باقات الإنترنت ولا شاشات تكفى هؤلاء لأن يتابعوا الدروس، والأهم من كل هذا وذاك أنه لا يعرف قيمة ومعنى العلم و بالتالى فهو سوف يستسلم للوضع ويتركهم بلا تعليم لضيق ذات اليد ولتعذر الوسائل المتاحة أو يكتفى بتعليم واحد فقط من الصغار بينما الآخرون سوف يطلقون فى الشوارع بلا حرفة وبلا علم وبلا تعليم أو تربية... البشرى الثانية أن الشهادات الأجنبية والتى لها معايير وضوابط من الممكن أن نخلق لها مخرجًا ونضع وصفة سحرية جديدة تجمع بين الدولى والمحلى فنستحدث اختبارًا فى «اللغة الإنجليزية» نتحكم فى ضوابطه يسمح لهؤلاء الطلاب بدخول الجامعات الحكومية المصرية على قد الإيد... أما من يريد الجامعات الدولية فعليه أن يخضع للامتحان الدولى!..

شيء لا يصدقه عقل... لم يعد التعليم إلزاميًا وإنما حرية تامة لمن يرغب فى تلقى العلم والتعلم وفق ما يملك من مال أو عقل أو فكر ولا عزاء للبسطاء والفقراء والمحرومين... وننتظر جيلًا جديدًا يصفق لـ «لاعب الكرة» و«المغنى» ويستجدى اللقاح ممن لديهم العلم والعلماء.

عن( الوفد)

التعليقات