كايرو آي

" كايرو آي"، او  عين القاهرة ، وفق ما تم نشره و طرحه اعلاميا ، مشروع ترفيهي ، علي غرار مشروعات مماثلة في لندن و دبي ..محوره عجلة دواره ( قيل انها ستكون علي ارتفاع مائة وعشرين مترا) ، يستطيع منها الناس ان يطلوا علي معالم العاصمة ، اقرب صورة لها " العجلة التي كنت تراها بالملاهي زمان ) . وقع الاختيار علي مدخل جزيرة الزمالك ليتم اقامة المشروع فيه ، متضمنا الي جانب العجلة الدوارة بازارات و مطاعم ، وربما مشتملات اخري يستلزمها طبيعة المشروع الترفيهي . وكما وصلنا من المسئول عن الشركة صاحبة المشروع  هناك بضع معلومات منها ان التكلفة الاستثمارية  خمسمائة مليون جنيه ، و ان التعاقد تم مع محافظة القاهرة ، بحق انتفاع لخمسة و عشرين عاما ، و في مداخلةمع الزميلة لميس الحديدي في برنامجها " كلمة اخير" ، كان السؤال الذي لم يجب عليه مسئول الشركة عن القيمة المالية التي سوف تتقاضاها محافظة القاهرة مقابل هذا الحق في الانتفاع . الحقيقة ان الاستاذة لميس الحديدي أدارت مناقشة جيدة حاولت من خلالها ان تطرح مخاوف اهالي منطقة الزمالك من الزحام والتكدس الذي سوف يتسبب فيه مثل هذا المشروع الذي يقام في نقطة مفصلية ، في وقت تسعي فيه الدولة "لتفريغ "، و الخروج بالعمار الي خارج نقاط الاختناق و كان الرد من صاحب الشركة  ان المشروع يتضمن  جراچات تسع خمسمائة سيارة علاوة علي تعاقد مع جراج التحرير لحجز اماكن ركن للسيارات .
التحديث و الاستثمار ينبغي له ان يتم مع ادرك "للقيمة "، و ليس علي حساب القيمة ، و الموضوع هنا لا يخص سكان وأهالي منطقة الزمالك و حدهم لكنه يخص " القاهرة "  . و في القلب منها احياء حملت ملامح "معمارية "، و اتسمت بجماليات لا يمكن لا تعويضها و لا تقديرها ماديا .. هذه الاحياء هي ثروة ، تراكمت في ظروف لن تتكرر ، لم نستطع ان ندفع عبر عقود من السنين عدوانا أفقدنا كنوزا ، في المعادي و مصر الجديدة والزمالك ، وفي الجمالية و باقي اجزاء القاهرة القديمة ، هذه الايام تسعي الدولة جاهدة في مشروع انقاذ القاهرة الخديوية ، لكن هناك نوع من التردي  في الاحياء العريقة الذي لم يعد الاهالي بقادرين علي مواجهته دونما تدخل حقيقي . الحكاية ليست مشروع هنا هنا ومشروع هناك الحكاية ان علينا ان نحافظ علي ما تبقي من "القاهرة "، القاهرة ليست اي مدينة وليست اي عاصمة ، و لا اعتقد انه من الصالح ان يتم التعامل معها بشكل " قطاعي " او جزئي ، كما لا يمكن الاطمئنان الي قياس واحد ، اغلب الاحيان ، قياس مكسب وخسارة مادية، كأنها صحراء جديدة و اغفال التعامل معها من البعد الثقافي ، و هذا لا يعني ابدا ، اننا نتحامل علي فكرة الاستثمار ، بل نحن نعظم من قيمة ماهو موجود بالفعل ، كل ما هو مطلوب الا يتم اتخاذ القرارات دونما ادراك للتداعيات ، الامر ليس مجرد دراسة جدوي مرورية و جدوي اقتصادية ، هناك ابعاد تخص طبيعة المدينة ، و ليس معني ان دبي او حتي لندن اقامت مشروعا انه بالضرورة متوافق او ان مناقشته محظورة و هذا ليس ضربا في الاستثمار والله العظيم ، لان الحفاظ علي "القيمة "يشجع الاستثمار و عندما نقول ان " البعد الثقافي " ينبغي ان يكون حاضرا فذلك لان كل مكون في هذه المدينة قلبه ولبه ومحوره " تاريخ " .. و " ثقافة " ... ارجو واتمني ان نتريث و ان نقرأ عن القاهرة و ان تكون الرؤية المستقبلية لها واعية .. واسعة . القاهرة مدينة تتجاور فيها حقب التاريخ ، و لا اقول تتعاقب ، بصورة ربما لم تتوافر لمدن كثيرة غيرها ، من ستة الاف عام قبل الميلاد و حتي اليوم ،
هذا يفرض نوعا من التعامل المحسوب ، للحفاظ علي ما تبقي من معالمها ، و الا لو استسلمنا تماما فسوف تتحول كلها لمقاه و مطاعم و ملاهي . . سو ف تصبح ذكري .. نتلمسها كما تلمسان ما ضاع منها".القاهرة " بحاجة الي " عين " تنفذ الي قيمتها ، و قلب " و " وجدان " يحسها ، و "عقل " يتسع لعمقها ..
كنت قد انتويت ان اعرض لبعض كتابات عن القاهرة لكبار كتابنا و بعض الكتاب و الرحالة  العالميين ، تعزيزا للفكرة لكني استشعرت  انها ربما لا يكون هذا مقامها ، و أفلتت مني عبارة لاستاذنا نجيب محفوظ في " صباح الورد" ، لما اخذه الحنين الي العباسية التي لم يجدها فاختتم حيرته في البحث عن " أعذب المودات " بقوله :" و انها لنقمة ان تكون لنا ذاكرة .. و لكنها ايضا النعمة الباقية ".

عن (الأهرام) 

التعليقات