اسرار الحجر والفيلم المظلوم !

حين اكتشف المصرى القديم الكتابة، اعتبرها منحة إلهية، لأنه أدرك قيمة وقوة الكلمة وأهميتها ومسئوليتها، لذا لم تكن الكلمة طريقة للتعبير عن الذات، وتسجيل الأحداث والحروب والانتصارات على جدران المعابد فحسب، وإنما وسيلة لتغيير العالم، واستمر استخدام الكتابة الهيروغليفية حتى القرن الرابع الميلادى، ثم جاءت اللغة الإغريقية وبعدها القبطية.

 

 

 

وظلت الكتابات الهيروغليفية لغزا غامضا، يعصى على الفهم والتفسير، حتى عثر جنود الحملة الفرنسية على حجر رشيد، الذى كان بمثابة نقطة فاصلة فى التاريخ، والحجر محفور عليه مرسوم للملك بطليموس الخامس بثلاثة أنواع من الكتابة، وبعد هزيمة نابليون صارت الآثار المكتشفة ملكا لبريطانيا طبقا لشروط معاهدة الإسكندرية عام 1801، وتم نقل حجر رشيد إلى انجلترا فى العام التالى، وفى عام 1822 توصل «جان فرانسوا شامبليون» لفك رموز الكتابة الهيروغليفية، وأماط اللثام عن حضارة مصر الفرعونية، وبعدها بمئة عام وقع حدث تاريخى آخر، اكتشاف هيوارد كارتر لمقبرة توت عنخ آمون عام 1922 بالبر الغربى فى الأقصر، وفى 2021 يأتى حدث جديد، هو بناء أكبر متحف آثار فى العالم.
هكذا تبدأ رحلة المخرج «مهاب زنون» عبر الفيلم التسجيلى «مية الحجر» لإلقاء الضوء على أقدم صناعة فى التاريخ، النحت على الحجر، تلك الحرفة التى انفرد المصرى القديم بأسرارها، وورثها عنه الأحفاد من أهالى القرنة، ويكشف الفيلم تفاصيل ومعلومات حول تلك الصناعة المهددة بالاندثار، ويجسد الجهد الشاق الذى يتحمله هؤلاء المبدعون، لتحويل الحجر الألبستر إلى قطع فنية منحوتة ببراعة، وذلك من خلال صياغة فيلمية جذابة وإيقاع سريع متدفق، وحركة كاميرا وصورة شديدة الاحتراف لمدير التصوير الشاب «مصطفى يحيى»، إلى جانب صوت معبر ينبض بالإحساس ويمنح الصورة روحا وحياة، للإعلامية القديرة منال العارف، والإذاعى القدير د. حسن مدنى، أحد أبناء مدينة الأقصر.
وقد سعدت كثيرا حين علمت أن الفيلم الذى شاهدته فى احتفالية بمركز الابداع، أحد ثلاثة أفلام لمخرجين شباب، حنان راضى ومهاب زنون ومحمد الميهى، يمثلون وجهات نظر ورؤى متنوعة، وتم تدريبهم فى ورشة عمل، من خلال اتفاقية تعاون بين الهيئة الوطنية للإعلام والاتحاد الأوروبى، وقد أعاد لى هذا الاحتفاء الشعور بالظلم الواقع على الأفلام الوثائقية، فرغم أهميتها الشديدة ودورها التثقيفى والتنويرى لا تلقى اهتماما، لذا أطالب د. إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة بتفعيل القرار الوزارى الخاص بعرض الفيلم التسجيلى فى السينمات، وتبقى القضية التى أثارها الفيلم حول التهديدات التى تواجه تلك الصناعة، بسبب استيراد القطع المقلدة من الصين، وضرورة فتح أسواق خارجية أمام أقدم صناعة عرفها المصريون.

عن (اخبار اليوم)

التعليقات