في ذكرى يوم العبور

اتخذ النصر في 6 أكتوبر 1973 مسميات كثيرة على لسان المصريين ولكن ظل " يوم العبور " واحدًا من أهمها معنى ومبنى، وصفًا وتجسيدًا، ودقة واتساعًا وشمولاً.. وبات من الواضح أن معنى "العبور" فتح للمصريين قوس التوقعات، وقدم احتمالات كثيرة، وأماني بأن ينسحب ذلك العبور على كل المشكلات والأزمات التي تحيط بنا ونعيشها ونهدف إلى تجاوزها، وأن نستلهمها في كل المجالات والتطلعات..

ولم يكن العبور العظيم مصادفة لفعل يائس، إنما كان قرارًا شجاعا من رئيس وجيش وشعب، ونتيجة لمعادلة أفصحت عن نفسها في يوم 6 أكتوبر نفسه، وكانت بالضبط مزيجًا من العزيمة والتصميم والإعداد الجيد..

وربما لم يعرف سوى العسكريين في مصر وسوريا أن الحرب واقعة لا محالة، وكذلك كانت إسرائيل تعرف أن المصريين لن يتنازلوا أبدًا عن قتال جديد مهما كان الثمن، وأنهم يستعدون لذلك، وسيقومون به، حتى ولو على سبيل المغامرة الانتحارية.. وقبل اندلاع الحرب بخمسة أيام فقط (حسب الوثائق التي تم الكشف عنها بعد الحرب) قدم مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية ألياهو زاعيرا تقريرًا مفصلا إلى اجتماع رئاسة الأركان عن "حالة استعداد شديدة على الجبهتين المصرية والسورية وعن احتمال قيام مصر وسوريا بعمل عسكري كأحد المسكنات للأوضاع السياسية الداخلية المتردية جدًا في البلدين"..

ورغم ذلك كان تقدير الخبراء العسكريين في العالم هائلاً للمفاجأة المصرية السورية الإستراتيجية الكاملة، وما أحدثته من صدمة داخل وخارج إسرائيل.. وكان واضحًا أن إسرائيل كان تتحسب لوقوع هجوم مصري رغم وقف إطلاق النار، وهو ما عبرت عنه عمليًا بخطة دفاعية ترتكز على " خط بارليف " الذي زودته بكل أنواع الأسلحة والذخيرة والقدرات، والارتكاز على ما يوفره الساتر الترابي الطبيعي بطول الشاطئ الشرقي للقناة من تأمين، ومن القناة نفسها كمانع مائي فريد، بالإضافة إلى الخطط والتحصينات خلف الساتر الترابي، والذي تم تعليته مرات، والخط الحصين، لكنها لم تكن تعرف متى وكيف ستأتي الضربة المصرية..

وإذا كان اسم خطة الهجوم في الأوراق والأوامر العسكرية هي " جرانيت 2 المعدلة " في البداية، فإن من المسميات التي أطلقت على حرب "أكتوبر" في مصر و"تشرين" في سوريا، هي الخطة "بدر".. ومضمون الخطة هو الاتفاق السري ما بين الدولتين، والتنسيق في قيامهما معًا بعملية هجومية تنفذ في وقت واحد.. وكانت " الخطة بدر " تعني في المفهوم الشعبي في البلدين، النظرة العسكرية الإسلامية الخالدة ، واستلهامًا دينيًا صريحاً، لكونها تستوحي النصر المبين للمسلمين في معركة بدر في الأيام الأولى للإسلام..

ويصب في هذا الاتجاه بدء المعركة في شهر رمضان المبارك.. وسواء كان التوقيت متعمدًا أو بمحض المصادفة، كون الدراسات العسكرية لقادة الجيش المصري وجدت أن الأسبوع الأول من شهر أكتوبر في تلك السنة هو الأنسب، من جهة الطقس والأحوال الجوية وطول فترة الليل وضوء القمر الساطع في بداية الليالي، وهو الشهر الذي يتقاطع مع شهر رمضان.. وهو ما كان يعني أيضا تأثير الحالة الإيمانية في شهر الصوم، وما يمنحه من حالة معنوية مرتفعة، وتأثيرها الكبير على المقاتلين في الجبهات والشعوب في الداخل، كما أن هناك صعوبة في توقع إسرائيل هجوما عربيا في شهر الصيام..

والحاصل أن حرب يوم " العاشر من رمضان " كانت وما زالت أحد المسميات المفضلة بدورها لحرب ونصر أكتوبر، بينما يقابله في إسرائيل يوم ديني أيضا، هو عيد الغفران أو يوم "كيبور"..

ولقد ظن البعض أن اسم العملية هو "الشرارة" نظرًا لاستخدام الرئيس السادات للكلمة، وتناقلتها كتابات مصرية وأجنبية على نحو ما أوضح المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته، لكن خطة الحرب المصرية السورية هي باسم "بدر"، بينما كانت لنا خطة دفاعية هي "الخطة 200" كما قال الفريق سعد الدين الشاذل ي في مذكراته..

وإذا كان الرئيس السادات استخدم عبارة "حرب الست ساعات" فهي في الحقيقة لم تكن أحد مسميات حرب أكتوبر، بقدر ما كانت محاولة انتقام وثأر من الجيش الإسرائيلي الذي انتشى وانبهر قادته بهزيمتنا في عام 1967 واصفين لها بـ"حرب الأيام الستة"، وكانت في الأصل باسم " ضربة صهيون "..

وكانت إسرائيل قد وضعت خطة دفاعية عشية عملية بدر تحت اسم "برج الحمام" على جبهة القناة، و"الطباشير" على جبهة الجولان، ما جعل المواجهة العنيفة تبدأ مبكرا..

أما حرب "الكرامة" و"الثأر" فقد استخدمت في كتابات عدة، وهي تعبر عما كان يجثم على صدر المصريين والعرب من مهانة بسبب نكسة 67، وأن حرب أكتوبر عالجت الانكسار وحققت أول نصر واضح على إسرائيل، بعد هزائم عدة.. ويلحق بهذه المسميات أيضا وصف ما جرى في أكتوبر بحرب "التحرير"، لأنها فتحت الطريق نحو تحرير جزء غال من الأرض المصرية، على الرغم من أن تحرير كامل أرض سيناء لم يتم، لأسباب كثيرة، في حرب أكتوبر، ولكنه تم بعد ذلك بمفاوضات، لكن تظل حرب أكتوبر هي السبب الرئيسي في تحرير سيناء..

التعليقات