سطور فوق صفحات فارغة !

لكل قصة نهاية.. ولكن في الحياة كل نهاية هى بداية جديدة.. والله يمنحنا دائما شروقا بعد كل غروب.. الفجر يولد من رحم الظلام.. والنهار يأتي بعد الليل.. الأمس نهاية والغد بداية.. الماضي نهاية والقادم بداية.. ننهي مرحلة من العمر لنبدأ أخرى.. وحينما نصل إلى محطة في حياتنا.. نستكمل رحلتنا لنصل للمحطة التالية.. وكلما اقتربنا من الحد الفاصل بين النهايات والبدايات.. ووقفنا عند عتبات شطآن الحياة.. منحتنا تلك المسافة الفاصلة الحق في التأمل والتفكر مع النفس.. والجلوس في مواجهة صريحة مع الذات.. نستجمع فيها شتات أفكار ظلت بحوزتنا.. ننتشل بقايا كلمات تغط في عشوائيتها.. نلملم مشاعر وأحاسيس تبعثرت فوق صخرة الصعاب والمحن والأقدار.. نوقظ أحلاما تاهت في العتمة وتخطيناها في الطريق.. ونحتضن أجنة أحلام تصارع لتبقي على قيد الحياة.. لنضيء بها زوايا الروح.. ونرسم بها ملامح سنواتنا القادمة، ونكتب عناوين وسطورا فوق صفحات العمر الفارغة.
فكّر وأنت تقف علي أعتاب عام، لتكتب سطور صفحة خاوية في سجل عمرك، أن عالمك الخارجي ما هو إلا صورة لعالمك الداخلي، وأن ما يجرى خارجك مجرد انعكاس لما يجري بداخلك، والأسلوب الذي تفكر به في نفسك وقدرتك وإمكاناتك، هو الذي يرسم صورتك الذاتية، وما تؤمن به بإخلاص وثبات سوف يصبح حقيقة واقعة، فإذا أردت تغيير نفسك وما تحققه من نجاحات وتحرزه من أهداف، فعليك أولا أن تُغيّر أفكارك ومعتقداتك ومفاهيمك عن نفسك، وتذكّر دائما أن عقلك يمكن أن يكون أخلص أصدقائك أو ألد أعدائك!
لقد أهداني صديق منذ أيام كتاب "غيّر تفكيرك.. غيّر حياتك" للكاتب "بريان تراسي"، يشير فيه المؤلف إلى الطاقة العظيمة التي تحويها عقولنا، فما نحن في الحقيقة سوي عقل مصحوب بجسد ليحفظه، وأن الإمكانيات الكامنة بداخل الشخص المتوسط لهى أشبه بمحيط لم يبحر إليه أحد، أو قارة لم تُكتشف بعد، ولا يطرأ أي تغيير في حياتنا، إلا حين تصطدم عقولنا بفكرة جديدة، فالأفكار هى مفاتيح المستقبل، وتكمن فيها أجوبة علي كل تساؤلاتنا، ورسائلنا لتحقيق جميع أهدافنا، وإذا احتفظنا بعقولنا في حالة تركيز على ما نرغب فيه، وتجنبنا التفكير فيما لا نرغب، سنجذب إلينا الفرص والظروف والأشخاص الذين يتناغمون مع أفكارنا، لذا يجب أن يكون تفكيرنا أكثر فاعلية، فالناجحون يبذرون بذورا أجود، وبالتالي يجنون حياة أفضل.
ويرى الكاتب أن صورتك عن نفسك هى ما تحدد مستويات أدائك وفاعليتك في كل ما تقوم به، وبالتالي كل تغير في حياتك ،لابد وأن يبدأ بتحسين صورتك الذاتية، تلك الصورة التي تكونت بناء علي مفاهيمك حول نفسك وقدراتك وكفاءاتك، ومن شأن تلك الصورة أن تحدد طريقة ومحتوي تفكيرك ومشاعرك حول نفسك، لكن تلك الصورة ليست بالضرورة موضوعية، ولا تعتمد دائما علي حقائق، وإنما على ما تتلقاه من معلومات وما تتقبله كحقيقة مسلم بها، وأسوأ المفاهيم التي يمكن امتلاكها علي الإطلاق هي المحدودية الذاتية.
أما أفكارنا وما تستدعيه من أفعال فهي تُشكّل حياتنا بالكامل، وتتحكم فينا بصورة كبيرة، فأفكارك يمكن أن تجلب لك السعادة والنجاح والاحترام والثقة، أو تأتي إليك بالفشل والتعاسة وانعدام الثقة بالنفس، يمكن أن تجعلك إيجابيا مقبلا علي العمل والحياة، أو سلبيا عازفا عن الجميع، ويمكن أن تستدعي صورا وخيالات وانفعالات، ينتج عنها مواقف وأفعال وتداعيات، تنعكس نتائجها علي حياتك، ولأننا نستطيع أن نقرر فيما نفكر، فإننا نملك القدرة علي الإمساك بزمام السيطرة على حياتنا، ولحسن الحظ أن أفعالنا تحت سيطرتنا الكاملة، لكن للأسف انفعالاتنا ليست كذلك.
كما أننا نتصرف دائما بالأسلوب الذي يتفق مع أعمق وأقوى معتقدتنا، سواء كانت صحيحة أم خاطئة، لذا فإن معتقداتنا تشكل واقعنا بدرجة كبيرة، فنحن لا نعتقد فيما نراه، وإنما نري ما نعتقد به بالفعل، وأكثر المعتقدات ضررا علينا هي معتقدتنا السلبية بشأن أنفسنا، لأنها تعوقنا علي التقدم وتضع حدودا علي ذاتنا، وغالبا ما يكون لا أساس لها من الصحة، وإنما ثمرة معلومات تلقيناها في الصغر، لذا علينا أن نعزز معتقداتنا التي تمنحنا الثقة بأنفسنا وبقدراتنا، وندرك أننا إذا ظللنا ندافع عن معتقداتنا السلبية حول أوجه قصورنا وضعف امكانياتنا، ونبررها فإنها ستتحول مع الوقت إلى حقائق مؤكدة.
لذا عليك أن تثق في قدراتك علي رسم مستقبلك، وتؤمن بأن مقدرتك علي توليد الأفكار غير محدودة، وتملأ سطور الصفحات الفارغة بأفكار جديدة، وتدرك أنك حين تُغيّر تفكيرك.. فإنك تغيّر بذلك حياتك كلها إلي الأفضل.
(اخبار اليوم)

التعليقات