إستدعاء ولي عمرو !

 

منذ اللحظة الأولى، التي تُطالع فيها عنوان فيلم «استدعاء ولي عمرو»، لابد تستشعر حجم التلفيق والافتعال فضلاً عن السذاجة والسطحية، والافتعال، وهو الشعور الذي ينقلب إلى يقين عقب مشاهدة الفيلم، الذي يؤكد، بجلاء، أن الإنتاج، على الطريقة «السبكية»، صار نمطاً وأسلوب حياة، بينما يُعد المخرج أحمد البدري الأحق بلقب «التلميذ الوفي»، للمدرسة «السبكية»، إن جاز تسميتها كذلك !      
   تبدو المبالغة واضحة في فيلم «استدعاء ولي عمرو»، الذي كتبه محمد سمير مبروك، مع الأداء الفج، والانفعال الزائد، لمدير المدرسة «الانترناشيونال» (إنتصار)، التي تُعنف والدي الطفل «عمرو»، بسبب السلوك العدواني للطفل مع أقرانه، حسب تأكيد «مس ندى» (أسماء فاروق)، الإخصائية الاجتماعية للمدرسة، وتهددهما بنقله إلى مدرسة أخرى، في حال تكرار اعتداءاته، ولحظتها نُدرك حجم الخلاف المُحتدم بين أمه المهندسة «سارة» (حورية فرغلي)، ووالده «رامي» (محمد عز)، رجل الأعمال وصاحب أكبر سلسلة مصانع في الشرق الأوسط، الذي لم تستطع زوجته أن تغفر له خيانته لها، في عيد زواجهما، وبدلاً من أن يُركز الفيلم على هذه القضية الحيوية ( دور المدرسة وواجب الأسرة)، التي لخصتها مدير المدرسة بقولها : «الآباء والأمهات عاوزين يتربوا مش يربوا»، وكذلك الانعكاس السلبي للطلاق على الأبناء، يأخذ الفيلم مساراً آخر باشتراط الأم / الزوجة على الأب / الزوج، لاتمام المصالحة، والعفو عنه، ونسيان الخيانة، أن يعودا، لقضاء شهر كامل، في فصل 3 / 2، الذي كان يجمعهما في المدرسة الثانوية، وشهد قصة حبهما، عساهما يستعيدا غرامهما الضائع، وذكريات حبهما القديم، الذي ضاع في زحمة الحياة .  
«الساموراي السبعة» !
   هنا، وياللعجب، اختفى «عمرو» من أحداث الفيلم، ليتم التركيز، لأهداف تجارية محضة، على الأب، زائغ العينين، والأم، المؤرقة بتحقيق ذاتها وحدها، بينما جاء الطفل في ذيل اهتماماتهما، وهما يبذلان جهودهما، مع خال الأب (صبري فواز)،  المراهق، المتصابي، والمتحرش، لتجميع أبناء الدفعة الدراسية، على غرار «الساموراي السبعة»، وإقناعهما بالفكرة المجنونة؛ بادئين بالطالب الفاشل «مجدي الرايق» (محمد لطفي)، الذي صار صاحب مركز متخصص في إصلاح السيارات، ويتعامل وكأنه دكتور في مهنته، ويستثمر الفرصة لابتزازهم مادياً، بحجة أنهم من سكان التجمع الخامس الأرستقراطي، وهو ما يفعله بقية زملاء الدفعة، الذين تكشف وضعياتهم الراهنة عن أمراض اجتماعية ومشاكل اقتصادية جمة؛ فالتباهي بالذات، والشره المادي، فضلاً عن السفه، تُجسده «نورا» (مي كساب)، التي تُنفق ما جنته من ابتزاز للزوجين، في شراء هاتف محمول على أحدث طراز، بينما تتمثل ظاهرة التطرف الديني في الشاب «حسن» (محمد يونس)، الذي ربى لحيته، بعد انضمامه لجماعة دينية متطرفة، ولما اعترضت جماعته على فكرة العودة للفصل الدراسي، نجح في إقناعها بأن الشهر «جهاد في سبيل الله»، وأنه سيسعى لتجنيد زملاء الدفعة القدامى. أما أزمة البطالة فيجسدها «مصطفى» (محمد الألفي)، الذي يُجيد التحدث بعدة لغات، ولا يجد فرصة عمل، ما يدعوه للتفكير باستمرار في الهجرة غير الشرعية، وتتمثل قضية العنوسة في «محاسن» (إيمان السيد)، والطموح الجامح الذي لا يرتكز على أساس في «تهاني» (أماني كمال) التي تحولت إلى ربة بيت، وتعمل على ماكينة خياطة، بينما تتجلى أزمة الأجور المتدنية في «بهاء» (عمر مظهر أبو النجا)، الذي يعمل في ثلاث وظائف ليعيش، وبالطبع ينام في الوظيفة الحكومية ليستعد لمهام الوطيفتين الأخرتين، بينما تعكس «مي» (ندى بهجت)، نظرية الهرم المقلوب؛ إذ كانت طالبة متفوقة، وعقب تخرجها من كلية الهندسة، آثرت أن تُصبح راقصة وصاحبة ملهى ليلي !
الدروس والعظات المجانية !
  لم يكتف المؤلف محمد سمير مبروك بتجميع أبناء الدفعة، وإنما قام بتجميع كل القضايا، والظواهر، ووضعها في سلة واحدة، ما أثار الإزعاج، واضطره إلى الإفراط في إلقاء الدروس الخطابية المجانية، والحكم الشعبية الفلسفية، بألسنة الراقصة والمهندسة وسمكري السيارات والمطرب الشعبي (حمادة الليثي) بالإضافة إلى مُدرسة اللغة العربية السابقة «رقية» (سماح أنور)، التي تولت إدارة المدرسة، ووافقت على استغلال الزوجين لها في فصل الصيف، بل أنه زاد على هذا بأن تناول الآثار الناجمة عن قرار التأميم، الذي أصدره جمال عبد الناصر، كما أوحى بأن «المحروسة»؛ الذي أختير عنواناً للمدرسة، فيه إسقاط على مصر، وهو الإيحاء الذي تأكد قبل النهاية، في مشهد الاعتصام بالخيام، على أرض «المحروسة»، بعد تهديد حفيد «الخواجة»، ووريثه، الذي طعن في قرار التأميم، بطرد من عليها، بتوصية من مهندس الحي المتواطيء، وتمكينه من الأرض، وفشل مسلسل "التوريث"، بعد بطلان ملكية الجد، والوريث بالتبعية، والمواجهة بالرشاشات، بينما القناص الرابض على السطح يستهدف قائد الإعتصام «رامي»، الذي أعلن رفضه تسليم أرض «المحروسة» وقيام المعتصمين برفع شعارات : «المدرسة مش حتتهد» و«كلنا ايد واحدة يا أبلة»، وقبل ذلك سعي الملتحي «حسن»، أكثر من مرة، لتفجير «المحروسة» !
  مزاعم وادعاءات لاكساب الفيلم قيمة وبعداً وعمقاً ليس أكثر؛ خصوصاً أن المخرج أحمد البدري لا قبل له بمثل هذه القضايا الشائكة والعميقة، ومن ثم اتسم الفيلم بالسطحية، والسذاجة، وتعدد المأثورات اللفظية المُبتذلة؛ كقول الراقصة : «أكتر حاجة تأكل عيش حواجب النسوان»، وقول سمكري السيارات : «ناس بترقص بصاجات وناس بترقص بأجنة وشاكوش»، وقول المهندسة : «اللمة دي طاقة إيجابية»،  بل أن المطرب الشعبي يغني مُندداً بالفيس بوك قائلاً : «تاخدوا كام وتبطلوا هري وكلام»، وهو الهجوم الذي يتكرر  على لسان «رقية»، مدير المدرسة، التي تُلقي باللائمة على الفيس بوك، بوصفه سبب التفكك، والنفاق، الاجتماعي، وتوقف الحياة في حال انقطاع النت، وراحت تُقارن بين توظيفه في العالم، وداخل مصر، ولم تنس أن تقول، بلسان الفيلسوف الحكيم : «إذا أصيب قوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا»، وعلى نفس النسق الأخلاقي  يقود الفيلم حرباً أخرى ضد التطرف، عبر «سارة»، التي تواجه فيها المتطرف «حسن» بأن «ربنا سايب باب التوبة مفتوح، والناس في الأرض بتقفله في وش البشر»، وتهاجمه، وجماعته، التي تُكرس التصنيف والتقسيم، والإيحاء للبشر بأن مفاتيح الجنة في أيديهم، بينما يؤكد الشاب المتطرف كراهيته للمجتمع، وقناعته بأن «من يموت حيكسب الجنة ونعيمها» !
التهريج .. والسذاجة
   كوميديا غليظة، ورومانسية عقيمة، ومنتج أقدم على التجربة، دعماً لابنه (الطفل فارس عامر)، الذي جسد دور «عمرو»، وبدا وكأن «السبكي» مثله الأعلى، ومن ثم أساء اختيار ممثلي الفيلم، ووظفهم في أدوار أقل من قدراتهم (صبري فواز) أو أكبر من امكاناتهم (محمد عز)، وبعضهم كان خارج نطاق الخدمة (حورية فرغلي التي كانت تنطق على طريقة جوجل في الترجمة، ومي كساب التي هزمتها السمنة)، وربما تمثل الاستثناء الوحيد في الممثلة الموهوبة ندى بهجت، التي جسدت دور الراقصة المهندسة، بينما جاءت رحلة العين السخنة أنموذجاً للبذخ الإنتاجي في غير مكانه؛ إذ لم يكن لها هدف إلا استعراض أجساد الحسناوات، واستمرار مسلسل التهريج السخيف، والمقالب الساذجة، التي يتحمل مسئوليتها المخرج، الذي فشل في تجنيب الفيلم الوقوع في مأزق الملل (مونتاج مينا فهيم)، سواء في التكرار الممل لمشاهد التفجير بين الحلم واليقظة، أو مرور الأيام ثقيلة في الفصل الدراسي، وغياب عنصري الإثارة والمفاجأة، وطغيان المباشرة، عبر الزج، من دون مناسبة، بصور الخالدين : أم كلثوم والعقاد وطه حسين ونجيب محفوظ، وإقحام خبر القبض على الخلية الإرهابية !
  لم تكن باروكة الشعر المستعار، التي ارتداها محمد لطفي، هي العنصر الوحيد  المستفز في فيلم «استدعاء ولي عمرو»، بل جاءت النهاية، التي رقص فيها، وغني، كل أبطال الفيلم، على إيقاع أغنية happy birthday ، دليلاً على استلهام المنتج للمدرسة السبكية، التي تنتهي أفلامهم، في العادة، بفرح شعبي أو حفلة جماعية، بما يوحي بأننا بصدد «سبكي» جديد .. و«اللي خلف ما ماتش» !
( عن القاهرة )
التعليقات