حوار مجتمعي لفوضى الشارع

فرق كبير بين الكراهية والمشاركة في حل المشكلات. وفرق كبير بين الانتقاد لغرض التشويه والتقبيح، والانتقاد بغية التجويد والتصحيح. وفرق كبير بين النيل من سمعة كيان أو مكان وبين الحرص على سمعته وكيانه. وفرق كبير بين الانتقاص من قيمة عمل أو مجهود وبين المطالبة بتعديل طريقة العمل وتغيير أسلوب المجهود للصالح العام.

الصالح العام والخاص وما بينهما والوضع الراهن، جميعها ينبئنا بأننا في حاجة ماسة وسريعة وحاسمة لإنقاذ الأرواح التي تقضي دون داع والدماء التي تسفك نهارًا جهارًا على طرقنا وفي شوارعنا. وللمرة المليون، فرق كبير بين التسليم بالقضاء والقدر، وبين السكوت على التهاون والتقصير، أو إغماض العين عن الحاجة الآنية لتغيير طريقة العمل.

لست خبيرة بطريقة عمل إدارة المرور ورجالها. المؤكد إنهم يعملون بطريقة ما. لكن المؤكد أيضًا أن لدينا معضلة كبرى أو معضلات تحول دون إنقاذ الأرواح التي تهدر يوميا على الطريق، وأخرى يقدر لها أن تعيش بقية عمرها بإعاقات وإصابات تقلب حياة أصحابها وأسرهم رأسًا على عقب. "منة" فتاة عشرينية فقدت حياتها على الطريق الدائري قبل أيام بسبب السرعة الجنونية. "فريدة" فتاة عشرينية أيضًا ترقد في غيبوبة منذ أسابيع بعد ما خبطتها سيارة تقودها فتاة بسرعة جنونية في شارع التسعين. طفلة في الـ13 من عمرها توفيت متأثرة بإصاباتها في شارع هادئ من شوارع مدينة الشروق بسبب شخص كان يقود سيارته بسرعة جنونية، وتركها غارقة في دمائها وهرب. ابن صديق عزيز تعرض لحادث مريع على طريق الإسماعيلية؛ لأنه شخصيًا كان يقود سيارته أيضًا بسرعة جنونية. تفحمت جثامين ثلاثة طلاب في الجامعة البريطانية في الشروق بعد اصطدام سيارتهم بشجرة بسبب السرعة الجنونية. والقائمة طويلة جدًا جدًا.

طول قائمة السرعة الجنونية التي تحصد الأرواح، لا يضاهيها إلا طول قائمة ما نراه يوميًا على طرقنا من سير عكسي بجبروت وعنجهية تدفع المخالف إلى شتم وسب من يتجرأ على الاعتراض. ومعهما قائمة عربات النقل التي تقل عشرات العمال الجالسين على أطرافها في عز الظهر، والتروسيكلات الهائمة على وجهها في كل مكان، والسيارات والدراجات النارية بدون لوحات أرقام أو بعد ثنيها أو الشطب على أرقامها، ناهيك عن قليل من العربات الكارو وبالطبع استمرار التوك توك المارق هنا وهناك.

المؤكد أن المسؤولية ضخمة، والمجهود المطلوب للضبط والربط هائل. لكن ليس من المنطقي أن تكون الردود الرسمية على هذه المجازر اليومية متمحورة حول "سلوك المواطنين الخاطئ"، أو سرد عدد التكاتك التي تمت مصادرتها، أو السيارات التي تم تحرير محاضر ضد قائديها. سلوك المواطن لن يتم تقويمه وحده. سلوك المواطن سيتم تقويمه عبر تطبيق القانون عليه في التو واللحظة. هذا التطبيق يجب أن يكون خاليًا "معلش النوبة والنبي أنا غلبان" أو "ما تعرفش أنا مين؟!". وحتى لو كان المخالف السائر بسيارته دون أرقام أو زجاج أسود فاحم ضابط شرطة يجب تطبيق القانون عليه لتكون الرسالة واضحة وصريحة.

الرسالة الحالية واضحة وصريحة: افعلوا ما تشاءون فليس هناك عقاب. من كان يصدق أن يسير أحدهم في شارع رئيسي من شوارع مصر الجديدة نهارًا عكس الاتجاه وابتسامة عريضة على وجهه؟ ومن كان يصدق أن يخرج التوك توك من داخل "عزبة الهجانة"، ويتخذ من ناصية متاخمة لمنشآت عسكرية تطل على شارع الثورة موقفًا له؟ ومن كان يصدق أن ينزل أحدهم من على كوبري عكس الاتجاه؟

وأين المنطق في ترك تجمعات سكنية ضخمة مثل الشروق ومدينتي مثلاً دون أي نوع من أنواع تنظيم المرور وتطبيق قوانينه؟ طبعًا التجمعات السكنية في الأحياء الشعبية، حدث ولا حرج، فإن ظروفها المرورية تضرب تقلب.

هل آن أوان فتح حوار مجتمعي في ظل غيوبة مجلس النواب، وانشغال البعض من أعضائه بطرح أفكار لولبية مثل تطبيق معايير للملابس التي يرتديها المواطنون، أو منع إطلاق أسماء أجنبية على المواليد، أو منع "البوس"؟ المواطنون والشرطة في مركب واحد، وعلينا التكاتف لوقف هذا النزيف غير المبرر لأرواحنا على الطريق. نقولها محبة ومعاضدة لهم وليس كراهية أو انتقاصًا من مجهوداتهم.

التعليقات