«ناصرية» العراق

أكثر من 22 قتيلاً وما يزيد على 150 جريحاً سقطوا فى «الناصرية» بالعراق فى يوم واحد. هذا جزء من المشهد الكبير الذى يعيشه الشعب العراقى منذ بضعة أسابيع يوشك عدد من سقط خلالها من المتظاهرين على تجاوز رقم الـ400 مواطن. العراقيون خرجوا منددين بالأوضاع المعيشية المتردية التى يحياها هذا القطر العربى منذ سنين طويلة بدأت رحلتها مع دخول الغازى الأمريكى إلى بغداد عام 2003. كل الأطياف الطائفية خرجت فى العراق، ليهتف الجميع ضد الحكم الطائفى الذى يلف الدولة منذ أن تمكن الإيرانيون من السيطرة عليها عشية الغزو الأنجلو أمريكى. الشيعة والسنة يتظاهرون جنباً إلى جنب، يحرقون قنصليات إيران -كما فعلوا فى النجف- يداً بيد. وإيران ترد على ذلك بتحريض الحكومة العراقية على المزيد من العنف ضد المواطنين. وحكومة العراق كما تعلم تحكم بالوكالة عن «طهران».

الأمر فى العراق مرشح للتصاعد. فأمام حالة القتل العشوائى الذى تمارسه القوات الأمنية ضد المتظاهرين لجأ بعضهم إلى حرق المقار الحكومية واحتلال الموانئ الحيوية وقطع الطرق. إنه تحول مثير يحمل معنى شديد الخطورة يتحدد فى فكرة «اليأس من الدولة». وليس هناك خلاف على خطورة هذه الفكرة، لكن من المؤكد أن المواطن لديه من الأسباب ما يدفعه إلى السقوط فى براثنها. فعندما تتخلى الدولة عن وظيفتها فى حماية المواطن وتأمين احتياجاته المعيشية ورعايته وتتحول إلى شركة تعتبر المواطن مجرد زبون يجب استنزافه فلا تسأل لحظتها عما يمكن أن تؤول إليه الأمور!. أحد المسئولين فى العراق علّق على سيطرة المواطنين على ميناء أم قصر بالعراق مشيراً إلى أن تعطل العمل به أدى إلى خسارة الدولة لـ6 مليارات دولار خلال 5 أيام. تساءل الناس لحظتها إذا كان الميناء يحصد هذا الرقم فكم تحقق موارد الدولة الأخرى؟ وإذا كان الوضع على هذا النحو فلماذا تتردى أحوال المواطن إلى هذا الدرك؟.

حجم الفساد فى العراق غير مسبوق. وبعض التقارير الدولية تشير إلى أن ما تم نهبه من ثروات العراق خلال الفترة التى أعقبت الغزو الأمريكى والسيطرة الإيرانية على البلاد يقدر بمئات المليارات من الدولارات. والحكومات العراقية المتعاقبة هى الراعى الأول لعمليات الفساد والمستفيد الأكبر منها. أما المواطن فهو الطرف الذى يدفع ثمن هذا الفساد. فلا الحكومة تطعمه، وإذا خرج معبراً عن احتجاجه على فسادها سلطت عليه أدوات الضبط والعقاب، متناسية أن اليأس من الإصلاح يقتل الخوف داخل النفس البشرية ويدفعها إلى صناعة الأعاجيب.

حكام «طهران» مسوقون بوهم أن ما حدث فى سوريا يمكن أن يتكرر فى العراق، وبناء على ذلك يوجهون الحكومة العراقية إلى التعامل بالقوة المفرطة مع المتظاهرين المطالبين بتحسين شروط الحياة وكف يدها عن الفساد. وحكام «بغداد» يعملون بالنصيحة، ولا يبالون بمن يسقط من مواطنيهم، ولكن ما لا يدركه المسئولون فى الدولتين أن موازين القوى تميل دائماً لصالح الشعب، وما تعجز الشعوب عن تحقيقه اليوم فاعلم أنها سوف تنجزه غداً، لأن المستقبل لها وحدها من دون الحكومات!.

التعليقات