لغتنا «القبطية» الجميلة

سامح مقار، مهندس، صاحب مشروع، لكن ليس فى الهندسة بل فى البحث اللغوى.. وتحديداً العامية المصرية.. فتش ونقب وأخرج أكثر من كتاب كاشفاً خلاله عن ثراء عاميتنا المصرية، متعاملاً مع الروافد اللغوية التى أغنت عاميتنا المصرية، فتارة يفاجئنا بأن الصنايعية فى الموبيليا يستخدمون مفردات إيطالية، وأن لغة الميكانيكا فرنسية، أو... أو... ومع أنه غير متخصص، فإنه بعين المتأمل، ثم بلجوئه إلى الاجتهاد، انفرد فى كشفه الجذور، من زاوية «هواية» أخذت بلب صاحبها إلى ملعب «الاحتراف»، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نبه صاحب المشروع إلى العملية العتيقة، أو التفاعل غير المنظور، والوجوبى حضارياً، الذى أثرى العامية.. فكما يخرج علينا «اللغويون» بجذور عربية لكلمات فى الإسبانية والإنجليزية والفرنسية والأبحاث المنشورة لا تتوقف منذ البعيد، تأتى العامية المصرية، محصلة للتاريخ وللتواصل والاختلاط بأجناس... ولكن ربما يكون من اللافت أن روح الهواية لمشروع الباشمهندس مقار وسعت من الدائرة، وأطلعتنا على التغلغل وما يفعله الامتزاج عبر الأزمنة، بدرجة تضرب كل دعاوى النقاء اللغوى وربما العرقى، وليكون التلاقح الإنسانى لغوياً وحضارياً من ثوابت عالمنا وإن كره البعض ورفض جهلاً.

«القبطية» طور من أطوار اللغة المصرية القديمة، وهى رافد أساسى للعامية المصرية، واستمرت لخمسة آلاف سنة. واستمرت بعد ميلاد السيد المسيح، ودخول المسيحية مصر، ظلت القبطية، تستخدم مع اليونانية حتى بعد الفتح العربى ودخول الإسلام، لكن الدور الأساسى فى الحفاظ عليها لعبه الصعيد، وكان له الفضل فى استمرار اللغة القبطية حية، على ألسنة أهله، خاصة فى نقادة وأخميم، ناهيك عن فاعلية جهود البطاركة ورجال الكنيسة القبطية. التاريخ كما يحفظ لشامبليون دوره فى فك ألغاز اللغة الهيروغليفية، يعترف بأثر اكتشافه على اللغة المصرية القديمة وما ارتبط بها من معارف وعلوم.. هناك لهجات متعددة فى اللغة القبطية، هى الوريث الشرعى للمصرية القديمة.. من هذه اللهجات «البحيرية»، هى أهم اللهجات القبطية وهى لغة أقاليم مصر السفلى واللهجة وتعبيراتها أفصح ومعجمها أوسع من باقى اللهجات فضلاً عن أنها اللغة الرسمية للأقباط حتى نهاية القرن الثامن عشر. أما اللهجة الأخميمية وهى كما هو واضح منسوبة إلى أخميم فهى أقدم اللهجات ومنها ننتقل إلى اللهجة الفيومية التى تكلمت بها الفيوم وما جاورها وقد عثر على رسالة من أسقف الفيوم يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادى ومن خصائصها تبديل حرف الراء بحرف اللام. اللهجة المنفية هى لهجة أهل مصر الوسطى وقد اختفت تحت اللهجة الصعيدية أو تم استبدالها باللهجة الصعيدية. فى السياق اللغوى على سبيل المثال ومن مشروع الباشمهندس مقار نتوقف معه عند رسوم تحملها جدران المعابد المصرية فى الدولتين، الوسطى والقديمة، حيث نجد رسوماً لألعاب الأطفال، ألعاب بهلوانية ورياضية وراقصة، وهو ما يؤكد اختلافها عن الألعاب اليونانية وغيرها تاريخياً ويستخرج لها خصوصية، أى ألعاب ذات أصل مصرى صرف، ويشرح بعض الألعاب منها على سبيل المثال ما وُجد مصوراً على مصطبة «مررو كا» من الأسرة السادسة.. ستة أطفال فى فريقين ولكل فريق قائد، أشبه بشد الحبل الجماعى، ولعبة اسمها المرافق، أو ما يلعبه تحت اسم «الرست»، أى قياس قوة الذراع ارتكازاً، المهم أنه فى لغة اللعب عند الأطفال وحتى اليوم أطياف قبطية.. «أراجوز» أصلها قبطى ومعناها «من يتصنع الكلام»، و«الأشكيف» نوع من السفن الكبيرة تستخدم للنقل.

التعليقات