"أوريجينال"

بعد أن مل أصحاب أرصدة الأصفار التسعة، من إقامة أفراحهم ولياليهم الملاح بأفخر فنادق العالم وجزره، من اليونان إلى إيطاليا، وهذا أمر شخصى يخصهم، بدأوا زحفهم نحو ما يرونه «أوريجينال» أكثر، ويحقق لهم الشعور بأنهم مختلفون، فاتجهوا الى معابد مصر القديمة، واللى تعرف ديته أعمل فيه الفرح..! وفاتهم أن الأمر حين يتعلق بمعابد مصر القديمة، التى هى جزء من إرث مصر القومي، يكون قد خرج من حيزهم الشخصى الذى هم أحرار فيه تماما، إلى حيز الشأن العام وهو أمر يخص كل المصريين. الأسبوع الماضي، كتبت من وحى فرح أقيم فى معبد الكرنك، عن ضياع فكرة القيمة، والنظر إلى أى جزء من ذخيرة مصر المعنوية، على أنه ممكن يجيب كام.

فوجئت بعدها بتطوع عديدين، بإرسال صور نشرتها الصحف الاسبوعين الماضيين، لأفراح أقيمت فى معابد أخري، هى معابد فيلة.. لكن الأكثر طرافة هو أن بعض الذين نشروا الصور، ألحق بها تعليقا، يقول فيه إنه على الرغم من توجيهات صادرة من أصحاب الفرح بالتصوير كما يشاءون، بشرط عدم نشر الصور، على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن بعضهم لم يلتزم، وتم النشر بشكل موسع حتى وصل الى الصحف، التى نشرت الصور والأسماء وخاصة أن مشاهير ، من النجوم فى الفن والمجتمع، قد حضروا ورقصوا وابتهجوا فى فرح معابد فيلة، ونحن بعد لم نفق من فرح معبد الكرنك. قيل إنه تحوط، لعدم المساس بأرضية المعابد، قد طلب من المدعوات التخلى عن أحذية الكعب العالي، والاكتفاء بأحذية فلات.

لن أعيد الكلام عن أننا لم نسمع بفرح أقيم فى معابد اليونان أو مسارح الرومان فى إيطاليا أوغيرهما، ولن أكرر أن هناك أشياء لا تشتري، أو ينبغى ألا تشترى وعلى رأسها إرث وتاريخ الشعوب، فكل هذا، الكلام يبدو أنه لم يعد له محل من الإعراب، فى فضاء عام، يهمش المعرفة والثقافة، ولغة تنفيذيين، تكيل كل الأمور بلغة المال، لكن أقول إن القانون فى مصر يشترط حرما للأثر، مساحته ستة كيلومترات، حتى لا يخرج أحدهم ويحاول الإقناع بأن ما تم من ليال ملاح لأصحاب أرصدة الأصفار التسعة كان خارج المعبد، وهو أمر تكذبه كل الصور المنشورة فى الصحف، والتى أرجح أن تصويرها لم يكن من المدعوين ولكن من مصورين محترفين، لأنهم ـ كتر خيرهم ـ أبرزوا المعابد حتى لا يلتبس الأمر علينا!.

صور معابد فيلة لم يصحبها ما جاء من تصريحات للمسئولين عن معبد الكرنك، من أن ما جرى فى الكرنك لن يتكرر، لكن حدث اننى تشرفت بدعوة هذا الأسبوع ـ لفعالية كان السيد وزير السياحة أحد أبرز الحضور، وفى كلمة ألقاها دعا الجميع، خاصة رجال الأعمال الى تنشيط واستثمار أماكن مصر الرائعة، من متاحف وقصور وإلى آخره، وهى فكرة جديرة بالتشجيع فعلا, فمصر جميلة. وضرب لنا أمثلة بليال عشاء حضرها فى أجمل متاحف العالم، وأمر هو فيه محق تماما، الوزير حرص على أن يؤكد ان وزارة السياحة تقبل وتشجع أقامة مثل هذه الفعاليات، فى كل الأمكنة باستثناء المعابد. هذا التحديد باستثناء المعابد كان لابد أن يستوقفنى لأتساءل، وأن أتوجه له بالسؤال: ماذا عما جري، وفرح معبد الكرنك؟ وماذا عن تصريح الموظف الرسمى بأنها مش حا تتكرر؟! ثم ماذا عن صور معابد فيلة؟ ولو قلت لنا يا سيدى إن ماتم كان خارج المعبد، سوف يكون السؤال: وماذا عن القانون الذى يلزم بفضاء للمعبد، مساحته ستة كيلومترات ما كنت أتمنى أن ينفى السيد الوزير هذا النفى القاطع وعلى الملأ، وصور أفراح اصحاب أرصدة الأصفار التسعة، وحفلاتهم تملأ هذا الملأ! وبالمناسبة هؤلاء الذين اكلوا وشربوا ورقصوا على تراث معابدنا، لم نسمع عن أن أحدهم قد تبرع بكام مليون فكة، لانقاذ معبد، أو المساهمة فى ترميمه، لم يقدموا ولو أمارة، كما نقرأ عن أقران لهم فى بلاد اخري.. واكتفوا بالرقص فوق إرثنا، كسرا للملل وبحثا عن شىء جديد «أوريجنال»!

(الأهرام)

التعليقات