«حشيشتنا أحلى حشيشة»

هكذا غرد -منذ أيام- الرئيس اللبنانى السابق «ميشال سليمان». التغريدة أثارت ردود فعل متباينة ما بين اللبنانيين، وأحيت من جديد الجدل المثار حول التشريع المقدم إلى البرلمان اللبنانى بشرعنة زراعة الحشيش، خصوصاً فى منطقة البقاع التى تعد من أكثر المناطق اهتماماً بزراعة هذا النبات. ولعلك تعلم أن هذه المنطقة يسكنها أغلبية شيعية. وقد تذكر أننى حدثتك ذات مرة عن العلاقة ما بين تيار التشيع ومخدر الحشيش. ويعد الحسن الصباح مؤسس جماعة «الحشاشين» أول من بادر إلى توظيف الحشيش كأداة للسيطرة على المريدين وإخضاعهم وتوجيههم إلى ارتكاب جرائم الاغتيال السياسى. وجماعة الحشاشين من أبرز الجماعات التى اعتنقت المذهب الشيعى ودافعت عنه بضراوة. الدعوة الصريحة لزراعة الحشيش تؤشر إلى أمرين: أولهما انتقال مسألة الحشيش فى الواقعين العربى والإسلامى من دائرة السياسة إلى دائرة الاقتصاد، وثانيهما أن بعض الحكومات العربية أصبحت قادرة اليوم على الترخص فى الإقدام على ما كانت تحرمه على نفسها بالأمس.

البدايات الأولى لتوظيف الحشيش فى المجتمعات العربية ارتبطت بدوائر السياسة. فقد وظفه زعماء بعض الحركات الإسلامية من أجل التحكم فى إرادة أتباعهم (جماعة الحشاشين)، وكذلك من أجل الحصول على المال اللازم لتمويل العمليات الإرهابية وتحقيق أهدافهم السياسية فى الوصول إلى الحكم، كما حدث مع جماعة «طالبان» فى أفغانستان. ومن اللافت أيضاً أن بعض الجماعات الصوفية لا تمانع فى تعاطى الحشيش، وقد أوجدت هذه الجماعات داخل بعض المجتمعات السنية تياراً شعبياً يستند إلى ما ذكره أقطابها فى مزايا الحشيش وفوائده فى تحليل هذا المخدر، رغم أن المؤسسات الدينية الرسمية تحرمه كل التحريم وتعتبره من الموبقات. الآن يخرج الحشيش العربى من دائرة السياسة إلى دائرة الاقتصاد. المدافعون عن تقنين زراعة الحشيش فى لبنان يرون أن هذه الخطوة ستؤدى إلى توفير ملايين الدولارات القادرة على إنعاش الاقتصاد ودعم الموازنة.

هكذا أصبحت الحكومة اللبنانية لا تجد غضاضة فى تحليل ما كانت تحرمه بالأمس، وتقنين ما كانت تطارده قانونياً فى الماضى. هذا التحول يؤشر إلى حقيقة تقول إن «كل المحرمات أصبحت قابلة للمناقشة أمام الأزمات الاقتصادية». وهو تحول يضرب الحكومات العربية على مستويات عديدة. وإذا كنت تستغرب اليوم من الجدل المثار فى لبنان حول تقنين زراعة الحشيش برعاية حكومية، فيمكن أن تفاجأ فى الغد بما هو أغرب فتجد حكومات تدعو وتبرر أموراً كان ينظر إليها قبل حين كـ«تابوهات» لا يجوز الاقتراب منها أو المساس بها!

الزمان اختلف والاقتصاد أصبح له الكلمة الأولى واليد الطولى فى تسيير وتوجيه الأحداث. والشعوب العربية قاطبة تعانى بشدة على المستوى الاقتصادى. ولا خلاف على أن تراجع اهتمام العالم بالبترول والنمو المتزايد لمصادر الطاقة البديلة يعمق من المشكلة أكثر. ولعلك تتابع لجوء بعض الدول الخليجية إلى خفض الدعم الذى تقدمه لشعوبها، ولجوئها إلى الاقتراض الخارجى. هذه التحولات قادرة على الإطاحة بكل ما كان محرماً بالأمس. وإذا كانت لبنان تناقش اليوم مسألة التحول إلى «متجر حشيش» فلا تفزع إذا وجدت فى الغد متاجر لبيع «أشياء أخرى».

التعليقات