العملية نجحت.. لكننا ضحَّينا بالأم والجنين !

حين يعهجز مسئول عن التفكير خارج الصندوق، ويفشل في إيجاد حلول مبتكرة وغير تقليدية، ويلجأ للقرارات الأسهل لحل المشاكل، حتي وإن كانت تلك القرارات الأصعب علي المواطن، وتضاعف من مشاكل البلد الذي منحه شرف تولي المنصب، فلا شك أنه المسئول غير المناسب في موقعه، لذلك لا غرابة حين نجد هشام عرفات وزير النقل يُلوح باستقالته، ويهدد بالرحيل في حال الاستجابة للاحتجاجات الشعبية والبرلمانية علي زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق!!
لقد أثبت المهندس هشام عرفات أن وزارته مازالت تعمل بنفس الآليات والسياسات العقيمة، بعد أن عجز السادة المسئولون عن الاستعانة بشركات تسويق متخصصة، لإيجاد حلول بديلة وطرق مبتكرة تحقق إيرادات لهيئة مترو الأنفاق، ولم يجد سوي أسلوب الجباية من أموال الغلابة، ونحت جيوب المواطنين الفارغة أصلا، لتعويض الخسائر وتطوير وتحسين خدمات هذا القطاع الحيوي، وتسبب الوزير بقرار رفع أسعار تذاكر المترو المفاجئ، في وضع مجلس النواب في حرج شديد أمام الشارع المصري، واحدث صداما بين المواطنين والجهات الأمنية ليس له موقع من الإعراب في الوقت الحالي.
وبعيدا عن المزايدات والتخوين فنحن جميعا نتفهم الوضع الاقتصادي المتردي منذ عقود طويلة، وندرك تدهور البنية الأساسية والقطاعات الخدمية، الناتج عن الفساد والإهمال، ونعلم أن ميزانية الدولة مثقلة بالديون والأعباء، وأن دعم الدولة للخدمات الأساسية لا يمكن أن يستمر، لكننا في المقابل نلمس ونعايش تدني مستوي الدخل بصورة لا يمكن مقارنتها بأي دولة أخري، وسوء أحوال المعيشة التي تصل إلي حد الحرمان من متطلبات الحياة الآدمية، وندرك أيضا تدني مستوي الخدمات من تعليم وصحة وصرف صحي وطرق ومواصلات.
ولا ينكر منصف ما تحملته الطبقة المتوسطة والفقيرة علي مدي السنوات القليلة المنصرمة، نتيجة تحرير سعر الصرف، الذي ضاعف سعر الدولار، وهبط بقيمة الجنيه، وما استتبع ذلك من ارتفاع جنوني في الأسعار، واكبته زيادة أسعار الكهرباء والمواد البترولية والمياه والمواصلات، وإذا كان ما تحمله المواطنون الكادحون قد أدي إلي آثار إيجابية ملحوظة علي الموازنة والاحتياطي النقدي، فإن ذلك لم ينعكس بأي صورة علي دخلهم وحياتهم ومعيشتهم.
لكن الأخطر أن تلك الطبقات التي عانت وتحملت النصيب الأكبر من فاتورة الإصلاح، صارت غير قادرة علي تحمل المزيد من تلك الأعباء، والتي هبطت عليها بلا رحمة أو شفقة، وبصورة متلاحقة مثل القضاء المستعجل، ودون مراعاة للأبعاد الإنسانية والاجتماعية والنفسية والسياسية، أو النظر لانعكاساتها الخطيرة وغير المحسوبة في ظل استمرار تلك الضغوط، والشعور المتزايد بالعجز والعوز والقهر والحنق، والصدام اليومي الذي يعيشه المجتمع مع الحكومة.
بالله عليكم ماذا نتوقع من هؤلاء المواطنين الغلابة حين ترفع الدولة مرتبات الوزراء والمحافظين ونوابهم وبعض الفئات الأخري إلي 42 ألف جنيه، بخلاف السيارة الفاخرة والحراسة والبدلات والعلاج بالخارج علي نفقة الدولة، وتمتنع عن تطبيق الضريبة التصاعدية بالمخالفة للدستور، في حين ترفض زيادة المعاشات، وترفع فواتير الكهرباء والغاز والمياه والبنزين، وتضاعف أسعار تذاكر المترو، وسيلة مواصلات الموظفين والكادحين والبسطاء 7 أضعاف خلال عامين!!
لقد بات ظهر المواطنين ملاصقا للحائط، ولا مجال للانسحاب أكثر للخلف، ومع ذلك مازالت الحكومة تراهن علي صبرهم، لكني أزعم أن الرهان عليهم رهان خاسر، بعد أن وصلوا إلي درجة من المعاناة واليأس والإحباط والسخط تستدعي الانتباه، وإعادة ترتيب الأوراق، فإذا كانت الدولة تجهر بعجزها عن تدبير أمورها، لأن الدخل محدود والإنفاق ضرورة، فكيف تتوقع من الموظفين والبسطاء تدبير معيشتهم في ظل عجزهم عن رفع دخولهم، مع زيادة الأسعار وتضاعف قيمة نفقاتهم!!
إننا جميعا نرغب في أن نري مصر في مصاف الدول المتقدمة في الصحة والتعليم والإسكان والطرق والمواصلات، لكن يجب أن تتعافي بلدنا أولا، وتستقر اجتماعيا، لكي نتمكن من دخول الماراثون مع الدول المتقدمة، فلا يمكن أن نتوقع من مريض يرقد في العناية المركزة بين الحياة والموت، أن يتجرع الدواء بجرعات كبيرة ومتلاحقة لكي يخرج سريعا من الإنعاش، ويتمكن من المشاركة في الأولمبياد!! إنما عليه أولا أن يتجاوز مرحلة الخطر وتستقر حالته، وبعدها يسعي الأطباء تدريجيا لتحسين صحته وإعادته لممارسة حياته بشكل طبيعي، حتي يقوي بعد ذلك علي خوض السباق، فما فسد في 60 عاما لا يمكن إصلاحه في 6 سنوات، وإلا حتما ستكون الخسائر أكبر والضحايا أكثر!!
إن أخشي ما أخشاه يا سادة.. أن نستيقظ علي بيان من فريق إنقاذ حكومة المهندس شريف إسماعيل، يقول: لقد نجحت عملية الإصلاح، لكننا ضحينا بالأم والجنين!!
يا حضرات.. رفقا بطبقات الشعب الكادحة التي أنهكتها فاتورة الإصلاح الاقتصادي، ابحثوا عن أصحاب الملايين المتهربين من الضرائب، وحاسبوا الانتهازيين والاستفزازيين والفهلوية الذين يتاجرون بقوت الشعب ويمتصون دماءه، ويضربون بالقوانين عرض الحائط.

uعن أخبار اليوم

 

التعليقات