ترامب وماكرون.. ورسم شرق أوسط جديد

كان استقبالا حافلا ذلك الذي أعده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحليفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحرمه السيدة بريجيت، لقد أشرفت السيدة الأمريكية الأولي بنفسها على حفل العشاء، الطعام والقائمة والمفارش والأدوات وكل الترتيبات المتعلقة بالحفل..

 

 
وشكرها ترامب علنا على كل جهودها على الإشراف على العشاء، وقال: "بالنسبة لي السيدة الأولى الأمريكية التي لا تُصدق على الإطلاق والتي نعتز بها دائمًا ونذكرها هي ميلانا.. شكرًا لك يا ميلانا".

ولا يمكن أن يكون التناغم الغريب بين الرئيسين والذي ظهرت بوادره في مطعم جول فيرن في برج إيفل في يوليو من العام الماضي، بسبب فارق السن وهو 24 سنة بين كل رئيس وزوجته، لصالح ترامب مرة، ولصالح بريجيت مرة ثانية، إنما يرجع إلى أن الرئيسين من طينة واحدة على عكس الكثيرين من رؤساء البلدين تاريخيًا..

 

كان الإليزيه يحاول دائمًا الوقوف على مسافة من البيت الأبيض.. ولكن الرئيسين اللذين يدينان بوصولهما البيت الأبيض والإليزيه إلى وسائل التواصل الاجتماعي، الاثنان من خارج الدوائر السياسية التقليدية إلى الحكم، هما من الذين يعرفون كيف يضغطون ويعبئون وينشرون الدعايات حولهما بوعي كامل لإمكانات وسائل التواصل وقد نجحا تمامًا في استغلالها.. هما يلعبان على الحس الشعبي في درجاته الأدنى من اعتزاز بالوطنية، وعدم قبول الآخر، والضغط علي الخصم بلا رحمة، واستعراض القوة وغطرستها..
بالضبط كما يحدث عندما تختلف مع آخر على الفيس بوك ويأتيك من السب والقذف مالا عين رأت ولا أذن سمعت.. باختصار إنها الفتونة التي كتب عنها كثيرًا نجيب محفوظ؛ ولكن من دون أخلاقيات أو كوابح..

في المؤتمر الصحفي العجيب لترامب وماكرون تقرأ خريطة الرؤية أو الترتيبات الجديدة التي ينسجها ترامب، بينما يقرر ماكرون التضحية بالاستقلال النسبي للقرار الفرنسي، طبقا لما خطه الجنرال ديجول، الذي طرح أفكارًا لها بعض الوزن والقيمة، حول طريق أو خط ثالث، ذلك الذي كان في ظل عالم ثنائي القطبية، تستعر فيه الحرب الباردة.. قطعًا ينضم ماكرون أو يصطف إلى جانب المملكة المتحدة الملتصقة مع القرار الأمريكي أيا كان.. وحتمًا سوف تتسع الدائرة..

لقد وصف ترامب الرئيس الفرنسي بأنه رئيس دولة صديقة، ورئيس أول حليف للولايات المتحدة.. وقارنه بالرئيس الفرنسي الذي زار الرئيس الأمريكي الأول واشنطن، وها هو ماكرون يفعل الشيء نفسه.. بعد قرنين من الزمان..

أما ما يُرسم لمنطقتنا العربية في التحالفات الجديدة أو التعديلات التي تدخل علي التحالفات الغربية المستقرة، فهي أمور شديدة الخطورة على مستقبل المنطقة وحولها.

والذي يمكن قراءته هو أن الحليفين وبعد الضربة الثلاثية (بمشاركة بريطانيا) لسوريا أتفقا على استمرار ممارسة الضغط على سوريا وعلى "الديكتاتور" بشار الأسد، وعلى نظام كوريا الشمالية، ومواصلة حملات الضغط بالنسبة لإيران، وعدم السماح لإيران بأن تطور سلاحًا نوويًا؛ "لأن هذا النظام يدعم العمليات الإرهابية، وفي كل أنحاء الشرق الأوسط نرى بصمات النظام الإيراني".

وقال ترامب: لابد أن نبذل جهودًا لمنع إيران من استغلال الفراغ في سوريا، إن الولايات المتحدة نجحت مع فرنسا في الحملة ضد تنظيم (داعش).. ويجب أن تساهم دول المنطقة في الجهود ضد الإرهابيين.. يجب أن تزيد جهود دول المنطقة.. فرنسا أقدم حليف لنا..

حاول ماكرون البحث عن أي شيء يجعله مختلفًا فزاده البحث اقترابًا، فتحدث عن "خلاف" مع ترامب على الاتفاق النووي مع إيران المبرم عام 2015، وقال له "أنت تعتبره اتفاقًا سيئًا.. وأنا أقول أنه ليس كاملًا".. وعبر ماكرون عن رغبته في اتفاق جديد.. ما الفرق إذن؟!.. هو هنا يسمح لنفسه بألا يصدم الإيرانيين قبل أن يزورهم قريبًا، ليطلب اتفاقًا جديدًا على طريقة طلب ملحق للاتفاق القديم..

ماكرون ذهب إلى الكونجرس وألقى الكلمة باللغة الإنجليزية مع معرفتنا التاريخية بأن القادة الفرنسيين لا يفعلونها ويعتزون بلغتهم الأم، لكن إلى هذا الحد وصلت رغبة الرئيس الفرنسي في الاقتراب من واشنطن وتقديم نفسه كحليف..

أما عن الدول العربية، فإن ترامب ينظر إليها خصوصًا دول الخليج على أنها دول غنية ولابد أن تدفع في مقابل الحماية الأمريكية لها، ولم يحدد آليات الدفع، كشراء أسلحة أو إقامة مشروعات، الطلب بهذا الشكل الفج يسعد الطبقات الدنيا الفيسبوكية من الشعب الأمريكي، لأنه واشنطن لم تفعل شيئا مجانيا من قبل، وحصلت فواتير كل أسلحتها ومعاركها في الدفاع المزعوم عن أخطار ضد العرب، هي مدبرتها الأولي..

هذا الاستقطاب الجديد مع التهديدات الواضحة لروسيا والصين، والأخيرة يتم الضغط عليها اقتصاديا، يمكن أن يعيد الحرب الباردة ومناخاتها وإن بصور جديدة.. وعلى العرب اختيار الطريقة التي سيتم التعامل بها مع الرؤى والترتيبات الأمريكية لمستقبل المنطقة.

(الأهرام)

التعليقات