متسولون بامر القانون !

 
 
 
الدولة تقوي بقدر ما يقوي تطبيق القانون .. بقدر ما يحس المواطن الاعزل من اي نفوذ ، و لا سلطة، ان حقه محصن بالقانون .هذه الحقيقة الاولية تنتهك عندما تدخل وزارة التضامن الاجتماعي معركة تعطيل وصول حقوق اصحاب المعاشات الي اصحابها ، و هي مدركة تماما و علي يقين انه لا حق قانوني لها في الطعن علي احقية اصحاب المعاشات في الثمانين بالمائة من علاواتهم الخمسة الاخيرة . تأمل موقف وزارة التضامن في طعنها بالحكم ، لمجرد كسب الوقت او ادخال اصحاب المعاشات في متاهات لاجدوي ولا طاءل من وراءها ، دلالته تتجاوز اصحاب المعاشات الي حيز اوسع .. دلالته تبلور موقف الدولة من فكرة القانون . في مواضع عديدة تهتز فكرة شعور المواطن بأحقيته في استشعار العدل ، ناهيك عن شعوره بأنه لا صوت له حتي في مجلسه ، الذي من المفروض انه منتخب للدفاع عن حقوقه .. بدا الامر في معركة اصحاب المعاشات مع الدولة ، و كأن المواطن بلا ظهير يسنده مهما كان القانون في صف هذا المواطن . دع جانبا كل المظاهر اللانسانية التي يغرق فيها اناس منحوا حيواتهم الي الدولة ، و في النهاية لم يتحصلوا علي مايسد الرمق .. دعك من امتهان الكرامة الذي تحسه ناظرة مدرسة تضطر الي التسول لتسد بعض الاحتياج بعد احالتها للمعاش ، و تستخدمها برامج الفضائيات في الصراخ و تصبح مجرد فقرة في سهرة .. لا تتوقف عند الوقفات التي يقودها البدري فرغلي ، و وراءه مقعدون فوق كراسي بعجل ، و شيوخ لا يملك الواحد فيهم ثمن علبة دواء .. فاضت اعمده الصحف بالحكايات و اصحابها- ونحن جزء منهم ، -فليس استدرار " عطف الحكومة " يليق بمواطنين لهم حقوق ، وليس هذا مربط الفرس كما يقال ، لكن نذير الخطر هو في موقف الدولة من فكرة تطبيق  القانون ، في ظل سطوع حق المواطن و احقيته . ماهي التداعيات المترتبة في الوعي العام ؟ و كيف يؤثر مثل هذا الموقف المتلاعب في اليات تصرف الناس قبل الدولة؟ لا احد يفكر في الرؤية الكلية لمثل هذا المشهد حين يتجاور ومشاهد اخري تمس فكرة العدل والعدالة .. خذ عندك علي سبيل المثال لما الدولة تقر بأحقية نائب الوزير و الوزير و نائب المحافظ والمحافظ، و هم في النهاية موظفين عموميين ، قد تتساوي امكاناتهم الوظيفية وزملاء لهم ، في نفس القطاع ،  في معاش يبلغ ست وستين ضعفا .. من اين يأتي نائب الوزير ؟ تخيل انتين اوثلاثة او خمسه رؤساء قطاعات او وكلاء وزارة ، كل منهم خدم قطاعه و تحلي بامكانات ومهارات و  وقع اختيار الدولة علي واحد منهم ليصبح نائب وزير معشه اربعة وثلاثين  الف جنيه ، بينما زملاؤه الاخرون مهما كان بزلهم ، سوف يتحصلون علي الف وخمسمائه جنيه علي الاكثر .. السؤال هنا هل تتوقع الدولة بهذا المعيار ان تكون مصلحة العمل هي الهدف ممن يأتون وراءهم في الطابور ، او يكون " المنصب " نائب الوزير هو الغاية و المراد مهما استدعت معارك ضرب الاكتاف ؟ بالتأكيد ان الدولة  باسهامها في رفع معاشات عدد من محدود من موظفيها بهذا الحجم الكبير من الارقام ، لا تساهم فقط في مزيد من تشوهات " الدخول " ، لكنها تضرب معان في مقتل ، علي راسها الشعور بالعدل ، مهما كانت المبرارات المعلنة .. المدهش بل المذهل ليس فقط موقف الدولة ، بل تلك الاصوات التي خرجت من مجلس نواب مفترض انه صوت الناس ، و التي بلغت في تلونها حدا يصعب الرد عليه ، و خلطت مابين الافكار علي غرار " الحواة " .. لم يقل لنا احدهم ماهي الرسالة المرجوة حين تحصر وتكثف الضمانات والمزايا في " منصب " ، و تماطل وتضرب بالقانون عرض الحائط لاخرين عملوا ونفترض انهم اجتهدوا .. لم يقل لنا كيف نري العدل في اتنين لهما نفس المشوار احدهما يخرج بمعاش ثلاثه وثلاثين او اربعة وثلاثين جنيها لمجرد خطوة في لعبة شطرنج ؟ 
الغريب ان الامور جلية .. يعني الحكومة تري اين الصواب واين الخطأ ، لكنها ماضية وتمضي فيما تراه ، و هي غير واعية علي ما اظن بتداعيات الرؤية التي تؤسس لها .. ليست المسألة محصورة في اثارها عند ارقام تضاف هنا ، او هناك ، لكن الاخطر افتقاد الرؤية الاشمل لمعني ودلالات ، و الاستهانة بقراءة الناس لحكومة تقبل علي نفسها ان تلاعب اصحاب حق قانوني و في نفس الوقت لا تعي الي اين يقود اسهامها في مزيد من  التشوهات غير العادلة حتي لوقيل ان هذه الممارسات لن تكلف ارقاما .. العبرة والمسئولية  و الخطورة ، تكمن في " الرؤية "  وراء تلك الممارسات
( الوطن )
التعليقات