المستعجلون بالإرهاب

حالة من الهوس الجماعى بالتخويف من عمليات إرهابية متوقعة أصابت الكثير من الإعلاميين خلال الفترة الأخيرة. وجوه عديدة خرجت محذرة من أن الإرهاب يمكن أن يضرب فى أية لحظة خلال الأيام المقبلة، وأن وتيرة العمليات ستزداد كلما اقتربنا من موعد الانتخابات الرئاسية مارس المقبل. تستطيع القول بأن حالة الهوس تلك ظهرت بعد بضعة أيام من خروج فيديو لتنظيم «داعش» الإرهابى يهدد فيه بعمليات بالتزامن مع بدء فعاليات الانتخابات الرئاسية. والسؤال: هل يجتهد هؤلاء الإعلاميون فى التأكيد على رسالة «داعش» بعدم المشاركة فى الانتخابات؟!

أطراف عديدة تجتهد منذ مدة فى إقناع المواطن المصرى بالمشاركة فى الانتخابات، لا أظن ذلك يأتى فى مواجهة دعوات المقاطعة التى تبنّتها بعض القوى السياسية، قدر ما يرتبط بإحساس لدى البعض بوجود حالة من «العزوف عن المشاركة» لدى نسبة من الناخبين المصريين. القوى السياسية التى تتبنى فكرة المقاطعة تعلم أكثر من غيرها أنه لم يعد لها تأثير يُذكر على الشارع، وحالة العزوف الملحوظة لدى البعض مردُّها أحاسيس مختلفة تشكّل الوجدان الانتخابى للمواطن قبل الاستحقاق الرئاسى المتوقع، أولها إحساس بالتعب والإرهاق نتيجة ما تحمّله المواطن من ضغوط معيشية، خصوصاً خلال السنة الأخيرة، وثانيها إحساس بعدم وجود منافس حقيقى للرئيس عبدالفتاح السيسى، وهو إحساس يتأكد لدى المواطن كلما خرج عليه موسى مصطفى موسى متحدثاً بخطابه وفكره التنافسى العجيب، وثالثها إحساس لدى مؤيدى الرئيس بأنه فائز لا محالة، وبالتالى لا يوجد لزوم للنزول والمشاركة. وبدلاً من أن يتعامل الإعلاميون مع هذه الأحاسيس السلبية، إذا بهم يضيفون إليها إحساساً جديداً، هو الإحساس بالخوف من العمليات الإرهابية التى يمكن أن تحدث خلال مرحلة الإدلاء بالصوت، وكأنهم يستعجلون الإرهاب!

يصف البعض هذا الطابور من الإعلاميين بـ«الدببة»، وهو وصف فى محله، لكن ثمة أوضافاً أخرى إذا تأملناها جيداً فقد تسهم فى تفسير هذا النمط العجيب للأداء. يصح أن تصف هؤلاء الإعلاميين بـ«المنجمين». وولع هؤلاء بالتنجيم مرده حالة الصدمة التى انتابت أغلبهم نتيجة نجاح ثورة يناير 2011 فى الإطاحة بمبارك، وهو أمر لم يكن بمقدور أكثر الإعلاميين شططاً فى الخيال توقعه. بعد هذا الحدث أصبح هناك هوس لدى بعض الإعلاميين بقراءة كف المستقبل، وفنجان المقبل، وتوقع الأحداث، ويشعر جُلهم بحالة عارمة من النشوة وهو يذكّر متابعيه -بعد وقوع أية واقعة- بأنه سبق أن حذّر ونبّه وأنذر. يجوز أيضاً أن نصف الإعلاميين «المخوفاتية» بـ«المجهزين». بعض الإعلاميين «جهازيون» أى يتحركون بمعرفة مؤسسات بعينها أكثر مما يتحركون بدوافع المهنة أو حماية الدولة المصرية كما يحلو لهم الطنطنة. مؤسسات الدولة دائماً ما تتعامل بحذر وتحسب وتتوقع الأسوأ فى مواجهة الإرهاب، وهو أمر طبيعى يتسق مع عملها، لكن الإعلام لا يعرف الرجم بالغيب. توقُّع مسارات الأحداث وارد فى مجال العمل الإعلامى بشرط أن يكون مؤسساً على معلومات، ومبتعداً عن التخمينات التى تتم فى فراغ، مع مراعاة أكبر درجات التحفظ على أى حديث يشتمل على توقعات متشائمة للمستقبل، لأن أبسط المصريين يضجر من هذا النمط من الأداء، لأن وقوع البلاء -من وجهة نظره- أفضل بكثير من انتظاره!.

 

التعليقات