قيد الاحتجاز

يبدو أن «الاحتجاز» أصبح «سلواً» لدى بعض المسئولين العرب، فى مواجهة أى مسئول زائر ينتمى إلى بلد آخر إذا خرج عن تعليمات كبير المسئولين. هذا المشهد حدث فى المملكة العربية السعودية مع رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى، وتكرر منذ بضعة أيام مع الشيخ عبدالله بن على آل ثانى أحد أعضاء الأسرة الحاكمة فى قطر، والذى أعلن عبر فيديو بثه عبر مواقع التواصل الاجتماعى أنه محتجز فى دولة الإمارات. وقال نصاً «كنت فى ضيافة محمد بن زايد والآن انتهت الضيافة وأصبحت قيد الاحتجاز». ومن المعلوم أن الشيخ عبدالله من الأطراف التى نُظر إليها كبديل لـ«تميم قطر» من جانب عدد من دول الخليج التى دخلت منذ ما يقرب من ثمانية أشهر فى خصومة مع قطر.

مشاهد الاحتجاز التى تكررت مؤخراً تدل على غياب «السياسة» من أجندة أولويات بعض الحكام العرب. الإدارة بالسياسة تتطلب مهارة وحنكة وقدرة على الإقناع وإدارة المواقف بما يحقق الأهداف، وهو مسلك يصعب على البعض. الأسهل منه أن تفرض ما تريد بالقوة والقهر على من يخالفك فى الرأى أو التوجه. آليات القهر قد تنجح فى أحوال أو مواقف أو بالنسبة لشخصيات معينة، لكن يبقى أن نجاحها استثنائى. القاعدة تقول إن المهارة السياسية فى إدارة المواجهات هى التى تنجح دائماً.

علينا أن نعترف -حتى لا نكون متعسفين فى الحكم- بأن أسلوب القهر أو فرض وجهة النظر بالقوة حتى لو أدت إلى محاصرة المخالف تمثل تياراً عالمياً فى السياسة المعاصرة. «ترامب» يلعب هذه اللعبة، فتجده يهدد بقطع المساعدات عن الدول التى لا تمتثل لقراراته وتوجهاته. وكان من المضحك أن نسمعه يقول رداً على تهديدات رئيس كوريا الشمالية حين ذكر أنه يضع يده على زر الصواريخ النووية بأنه -أى ترامب- يمتلك «زراً» أكبر منه. نحن لسنا أمام ساسة، بل أمام أشخاص يليق بهم الاصطفاف داخل العيادات والمصحات النفسية. وليس أدل على ذلك من تقدم عشرات الأطباء النفسيين الأمريكان بطلبات للكشف على «ترامب».

عدوى الحالة «الترامبية» أصابت بعض الحكام العرب، فأصبح اللجوء إلى «الاحتجاز» والقهر «والعفيجة» أسلوباً ومنهجية لديهم. وغالباً ما يصور لهم غرورهم أنهم يسلكون المسلك الأصوب لتحقيق أهدافهم، ليس فى رسم خرائط الحكم داخل دولهم وفقط، بل وتشكيل خرائط الأنظمة الحاكمة داخل الدول الأخرى. ولو أنفق أى منهم بعض الوقت فى قراءة واحد من كتب التاريخ لاختلف تفكيره ولعثر على العديد من النماذج الشبيهة التى ظنت بنفسها القدرة على إدارة الحياة وتحديد مصائر الشعوب والحكومات تبعاً لمزاجها الخاص، فكان مآلها السقوط. لا يلجأ إلى أسلوب القهر والاحتجاز إلا العازف عن تعلم حيل الساسة والسياسة. ربما توافر فى يديه العديد من عناصر القوة والقدرة التى تدفعه وتدفع من حوله إلى الظن بأنه قادر ومستطيع، لكن الكل ينسى أن عناصر القوة والقدرة التى عرفها الإنسان فى الحياة تتعطل إذا غابت عنها «الحكمة». وصدق الله العظيم إذ يقول: «ومَن يؤتَ الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً».

التعليقات