مشهد سياسى «بائس»

إعلان الفريق أحمد شفيق ترشّحه لانتخابات الرئاسة المقبلة (2018) كشف حالة البؤس التى يعيشها المشهد السياسى فى مصر حالياً.قُوبل ترشّحه بترحيب من جانب البعض، فى حين واجهه آخرون بحالة من الرفض الجامح الحاسم. الطرفان (المؤيد والمعارض للترشّح) لا يعبران فى أفكارهما عن رغبة فى إخراج مشهد انتخابى حقيقى، قدر ما يحكمهما قواعد «الردح والمكايدة». وفى حين تعبر الانتخابات عن فعل ديمقراطى، عكس كلام كل من الموالين والمعارضين توجهاً نحو الاستبداد والرغبة فى الاستفراد بهذا البلد وأهله الذين عانوا من الجميع.

الفريق المؤيد لترشّح «شفيق» جمع أشتاتاً كانت بالأمس متنافرة. رحّب المؤيدون لعصر «مبارك»، والحالمون بالعودة إليه، بالترشح، وخرجوا يبرّرون للفريق تعاطى قناة «الجزيرة» القطرية مع إعلان ترشّحه، وسبقها إلى بث الفيديو الذى أعلن فيه أن الإمارات تمنعه من السفر، وكذلك اهتمام قناة «الشرق» ذات التوجّه الإخوانى بالتفاعل مع الحدث، واتهامها للإمارات بأنها تلعب لحساب النظام الحالى فى مصر، دافع «المباركيون» عن حق «شفيق» فى الظهور الإعلامى العلنى عبر ما تيسّر له من أدوات، حتى لو كانت أدوات إخوانية، وهم من كانوا بالأمس يصفون هذه القنوات بالعمل لحساب «مرتزقة يناير»!. من أوجه البؤس فى هذا السياق أيضاً أن تجد بعض المؤمنين بـ«يناير» انطلقوا هم الآخرون مؤيدين ترشح «شفيق»، وهم الذين كانوا يتّهمونه بالأمس بالتورّط فى «موقعة الجمل»، والسخرية من ثوار الميدان، ووعده لهم بـ«البونبون»، وهم يفعلون ذلك مكايدة للواقع الحالى الذى حرص على تهميشهم وتخوينهم، وكأن كل ما يهمهم هو رد الصفعة، دون التفات إلى أن «شفيق» أحد رموز النظام المباركى الذى ثاروا عليه، وأفلحوا فى إسقاط رأسه فقط، فى حين تركوا الجسد يرتع.

تعالَ بعد ذلك إلى الفريق المعارض لترشّح «شفيق» وستجد عجباً، خرج الإعلاميون الذين حفظ الناس كلامهم من فرط تكراره ولعبوا لعبتهم المفضلة فى نصب السيرك وألاعيب الأرجزة، ووجّهوا نيرانهم نحو المرشح، وبلغت الأمور بهم مبلغاً من البؤس يثير الرثاء، أحدهم سأل «شفيق»: لماذا تترشّح؟! وكأن الترشّح حق لا يتيحه الدستور لأى فرد، إذا لم توجد لديه موانع تحول دون ذلك. وآخر اتهمه بالانتماء إلى جماعة الإخوان، وهو الهارب بالأمس من الجماعة بعد هزيمته أمام المعزول «مرسى»، وثالث وصفه بـ«المنتحر سياسياً»، وكأن هناك سياسة!. وأظن أن بعضاً ممن يلعبون فى سيرك الإعلام الحالى لم يستمع إلى الكلمة التى أعلن فيها «شفيق» ترشّحه، والأفكار التى اشتملت عليها. كنت أفهم أن يخرج هؤلاء مفنّدين كلام «الفريق» ليثبتوا بالدليل القاطع والبرهان الساطع عدم صلاحيته لتصدّر المشهد السياسى فى مصر.

نحن نعيش مشهداً سياسياً «بائساً» بمعنى الكلمة، وجوهر البؤس فيه أن من يغرّدون بتأييد ترشّح «شفيق» أو بالرفض لا يفهمون أنهم يتناولون شأناً لم يعد يهم أغلبية المصريين فى شىء. المصرى المخبوط على رأسه بفعل معاناته المعيشية، وأوجاعه الإنسانية الناتجة عن حجم الدم الذى غمر حياته، أصبح لا يعتنى، لا بسياسة ولا بانتخابات، ولا بمن راح، ولا بمن جاء. ورهاننا نسبة المشاركة فى أى استحقاق انتخابى مقبل.

التعليقات