دخان الحكومة «عمانا»

تحتكر الشركة الشرقية للدخان صناعة السجائر فى مصر، وأغلب أسهم الشركة مملوكة للحكومة المصرية السنية التى قررت مؤخراً بالاتفاق مع مجلس النواب زيادة أسعار السجائر بشرائح متباينة. إذا حسبنا حجم ما ستحصده الحكومة من هذه الزيادة فى ظل وجود أكثر من 15 مليون مدخن فى مصر، فسنجد أنها تعد بمليارات الجنيهات سنوياً، على فرض أن المدخن يكتفى بحرق علبة واحدة فى اليوم. مليارات ممليرة حققتها الحكومة فى خبطة واحدة!

قد تقول: «ولماذا لا يُقلِع المدخن عن هذه العادة الرديئة؟». سؤال فى محله، لكن من الواجب أن توجهه أيضاً إلى كل أصحاب العادات السيئة الذين لا يقدرون على الإقلاع عنها، وما أكثرهم. هناك مثلاً من أدمن السلب والنهب ولا يستطيع الإقلاع عنه، وهو أشد ضرراً على الدولة والمجتمع من المدخن، وهناك مدمنو الاعتماد على غيرهم فى حل المشاكل، والمتوكلون على «جيوب العباد» من أجل جمع أموال تحل لهم العجز فى موازنتهم، كما تفعل الحكومة. هؤلاء جميعاً مدمنون مثلهم فى ذلك مثل مدخن السجائر، بل المدخن أهون حالاً منهم، فهو يضر نفسه بما يفعل، أكثر مما يضر غيره. ومن المضحك أن يقول لنا البعض إن الحكومة تحرص على صحة مواطنيها، وإنها ترفع لهم أسعار السجائر حتى تحرضهم على الإقلاع عن هذه العادة الرديئة. الحكومة بقراراتها ترفع معدلات التدخين فى مصر، لأن كل قرار فيه ما فيه من «حرقة الدم والأعصاب» التى تدفع إلى مزيد من حرق الدخان.

هذا القرار يتجاوز كل الحدود. فقد أصبح أقل مدخن فى مصر يحتاج ما يتراوح بين (500 و1500 جنيه شهرياً) مصروفات دخان، وفى ظل معدلات الأجور الحالية نستطيع القول بأن نسبة كبيرة من المدخنين سيكفيهم مرتبهم بالكاد ثمن دخان (ممكن يفيض منه تمن علبتين) ثم يسأل الله فيما يأكل هو وأسرته. ويخطئ من يظن أن مردود الارتفاع فى أسعار السجائر سيكون على المدخن فقط. فمن المعلوم أن أسعار السلع يحرك بعضها البعض، وأى زيادة فى سعر سلعة معينة تؤدى بالتبعية إلى زيادة سعر غيرها، على الأقل السلع والخدمات التى يقدمها المدخنون حتى يتكيفوا مع الزيادات الجديدة فى سعر الدخان.

المواطن تحمل الكثير من الأعباء خلال السنوات الماضية. أسعار الكثير من السلع والخدمات تضاعف مرة وأحياناً مرتين. الحيرة أصبحت تأكل الكثيرين أمام عجز دخولهم عن إشباع ولو نسبة ضئيلة من احتياجاتهم، المواطن فى «حيص بيص» جراء الارتفاعات غير المعقولة وغير المسبوقة فى الأسعار. دوائر الحيرة تتحول بمرور الوقت إلى دوائر يأس، وكل الأشياء تستوى فى نظر اليائس. وهنا مكمن الخطورة. إذا كان المواطن قد تحمل فيما سبق الكثير من القرارات التى فرضت عليه أعباء جساماً فعلى الحكومة أن تحترم ذلك وتقدّره، ولا تقابله بالمزيد من القرارات التى ترهقه أكثر وأكثر. زيادة سعر الدخان يشعل حريقاً داخل الكثيرين. كفى الحكومة دخاناً.. «عشان دخانها عمانا».
 

التعليقات